فإن انصباب الماء من فوق رأسها ... على رغم أنفي كان فيه بلاها
وفي الأخذ منها للدماء مدامعي ... روت كل أرض لا يقاس فضاها
وفي الخردل الموضوع من فوق ساقها ... شواظ بقلب فيه شيد حمامها
وهكذا قص علينا الشاعر ما حدث لزوجته إبان مرضها، مستمداً القول من الواقع لا من الخيال. وهذه طريقه جديدة في الرثاء لم تعرف من قبل.
ومنذ عصر سعيد بدأ الشعراء يصفون بعض المخترعات الحديثة كالسفن البخارية وآلات الري والأسلاك البرقية والسكك الحديدية والكباري والقطر وغير ذلك مما ظهر وقتئذ. ولكن الشعر الذي قيل في هذا الغرض كان قليلاً جداّ.
وكان بعض الشعراء في هذا الدور إذا وصف حفلة من الحفلات أو مشهدا من المشاهد انغمس في الواقعية إلى أبعد حد، وحرص على أن يسجل في شعره كل صغيرة وكبيرة مما تراه عينه ومثال ذلك قول عبد الله فكري حينما عاد من مؤتمر المستشرقين:
مولاي قد سرنا بأمرك نبتغي ... لرضاك ما تسمو به الأقدار
ومنها:
ثم امتطينا للسويد ركائباً ... لا الركض يجهدها ولا التسيار
تسعى على عجل إلى غاياتها ... كالماء ساعد جريه التيار
سرنا بهن على العشي فأصبحت ... في (استكهلم) وقد بدا الإسفار
ولقيت صاحب تاجها في قصره ... والوفد ثم بصحبني نظار
فدنا وصافح باليمين مردداً ... شكر الخديو يزينه التكرار
فشرعت مقتصدا ًأجاوبه بما ... أرضاه لا قل ولا إكثار
وهذه الطريقة الواقعية التي أغرم بها بعض الشعراء في ذلك العصر قد جعلت قصائدهم شبيهة بالتقارير التي يدون فيها كل شيء مع مراعاة الترتيب الزماني والمكاني.
وفي عصر سعيد كثر إقبال الشعراء على نظم الأناشيد العسكرية الحماسية وقد سبقت الإشارة إلى ذلك. وأخذ بعضهم يصف القلاع والحصون ويذكر البنادق والمدافع.
وفي عهد إسماعيل تأثر الشعراء بالحياة الاجتماعية الجديدة فذكروا القصور والبساتين والشوارع والميادين ومصالح الحكومة ودواوينها. وأخذوا يشيرون إلى إضاءة المدينة