بمصابيح الغاز وتوصيل المياه إلى المنازل وغير ذلك من مظاهر الحضارة والعمران. وفي أواخر هذا العصر بدأ الشعر السياسي في الظهور. ورأينا قصائد قليلة تنظم في نقد المجتمع وفي الشكوى من تغلغل النفوذ الأجنبي.
وحينما تولى توفيق ارتفعت أصوات الشعراء مطالبين بالإصلاح ورفع المظالم التي حاقت بالشعب. وهكذا اصبح الشعراء ينظرون إلى الصالح العام بعد أن كانوا ينظرون إلى صالح أنفسهم. ولكن يجب أن نقول بأن النظرة الذاتية كانت غالبة فتأمل في قول الساعاتي حين يمدح إسماعيل صديق فيقول:
وحسبك بالإجماع منا فصادح ... بحمدك غريد وآخر باغم
وقد أجمع الناس واتفقت كلمة المؤرخين من مصريين وأجانب على أن إسماعيل صديق كان مثالاً للظلم والقسوة وعلى أنه هو الذي جر البلاد إلى الخراب والدمار وأرهق الفلاحين وأثقل كاهلهم بالضرائب الفادحة. ولكن الساعاتي لم ير بأساً في الكذب ولم يجد ضيراً من الافتراء. فهو في نظير مصلحة يرجوها أو عطاء يؤمله قد صور الناس مجمعين على التغني بفضائل إسماعيل والإشادة بمناقبه. على أن هذه النظرة الذاتية والتضحية بمصلحة المجتمع في سبيل مصلحة الشاعر قد لازمت الشعراء المصريين حتى هذه الأيام.
وقلت المدائح النبوية في هذا الدور حتى أننا لا نجد للشعراء في هذا الباب شيئاً ذا قيمه اللهم إلا قصيدة بديعة للساعاتي ضمنها مائه وخمسين نوعاً من أنواع البديع.
وظهرت في عهد إسماعيل الأناشيد المدرسية التي يلقيها الطلبة في الحفلات، وفي هذه الأناشيد إشادة بقيمة العلم ومنافعه للأمم والشعوب والترغيب في الجد والاجتهاد والاستعداد ليوم الامتحان الذي يكرم المرء فيه أو يهان كما كانوا يقولون.
وفي هذا العصر أكثر الشعراء من نظم التواريخ وذلك لكثرة ما أقيم من المعاهد والمدارس والمصانع والقلاع والحصون والقصور والمساجد، وقد أرخ الشعراء حفلات أنجال إسماعيل في شعر كثير.
وحينما شبت الحرب بين الإنجليز والعرابيين انضم إلى الحركة العرابية شعراء كثيرون في القاهرة والأرياف وأخذ هؤلاء الشعراء ينظمون القصائد الحماسية في الحض على الجهاد والتحريض على الكفاح وفي هجاء الإنجليز وكل من يتعاون معهم. ومن هؤلاء