هناك فرقا بين التربية والتحديد، وبين المسخ والتغير. ولست أجد مثلاً أسوقه في هذا الباب خيراً من حياة الطفل وحياة النبات. كلاهما ينمو ويربو، وكلاهما يطول ويزكو، حتى يبلغ الحد المقسوم لكماله؛ وقد تتغير بعض معارفه، وقد تخول بعض أعراضه، ولكنه، في الغاية، هو لا شيء آخر، فحسن الوليد، هو حسن الطفل، هو حسن الفتى، وهو حسن الشاب، هو الكهل، وهو حسن الشيخ، وتلك الفسيلة الصغيرة هي هذه النخلة الباسقة، كل نما وربا بما دخل عليه من الغذاء، وما اختلف عليه من الشمس والهواء لقد أصاب كل منهما ما أصاب من أسباب التربية والإزكاء، فاحتجز منهما ما واءمه وما تعلقت به حاجته، ونفى عنه ما لا خير له فيه وما لا حاجة به إليه. ثم أساغ ما أمسك وهظمه، فاستحال دما يجري في عرقه، ويزيد في خلقه.
ولا شك في أن لأدبنا العربي عناصر، وله مقومات، وله شخصية بارزة معينة، فمن شاء فيه تجديدا - ومن الواجب الحتم على القادرين أن يجدوا - فليتقدم، ولكن من هذه السبيل.
ولا شك في أن لأدبنا العربي عناصر، وله مقومات، وله شخصية بارزة معينة، فمن شاء فيه تجديداً - ومن الواجب الحتم على القادرين أن يجددوا - فليتقدم، ولكن من هذه السبيل.
ولا تنسوا إن من أهم هذه المقومات، إن لم يكن أهمها جميعا، هو صحة العربية وتحري فصحها. فمن تهاون هذا وتجاوزه، فليس ما يصنع من الأدب في شيء أبداً. ومما يتصل بهذا المعنى ما لعلي لا أخطي إذا دعوته تقاليد العربية، فالعربية كسائر اللغات القوية تقاليد المأثورة على الزمان.
وهنالك مقومات آخران لهما خطرهما العظيم، إلا وهما التخييل والذوق العام. ولا أحسبك تنكر أن للامة ذوقها الخاص بها في كثير من أسباب الحياة، ولقد تشارك غيرها من الأمم في بعض هذا، ولقد تفارقها في بعض فراقا شديداً أو يسيراً.
أما التخييل فقد قلت لك في مقال مضى إن خيال المرء مهما حلق وعلا، ومهما أسرف وغلا، فهو لا يمكن إن يخرج عن كونه مجرد تلفيق من الحقائق المحسة الواقعة. وأنت بعد خبير بأن اصدق خيال وأروعه، وإن أحكم تشبيه واطبعه هو اشتقه الشاعر مما يحيط به وبقائه، ويقع لأسماعها ولأبصارهما جميعاً. وألا نبا عن السمع، ونشز على الطبع، ولو كان بالغاً غاية الغاية في بيئة أخرى.