للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عن الفنون الأخرى كالموسيقى والرسم ولكن الذي لا شك فيه أنه قد استفاد كثيراً من الاتجاه الذي سار فيه سان بيف والخطوات التي مشى في إثرها. إن الاثنين - بودلير وسان بيف - هما الناقدان المهمان في الحركة الرومانتيكية إذا نظرنا إليها محصورة في النطاق الفرنسي.

وأهم ما يمكن أن يعزى إلى بودلير في حركته النقدية هو أنه فتح الباب أمام الرمزية الصحيحة كيما تتقدم وكيما تأخذ مكانها المرموق بين المذاهب. فليس فن بودلير في النظم وحده هو الذي يضع جرثومة الرمزية وإنما يأتي في غضون كلامه النظري عن الفن الخالص ما يمكن أن ينظر إليه المؤرخ على أنه إرهاصات خالية من الزيف، وتباشير ممتلئة بالحياة، ودلائل قاطعة على الأسبقية والبدء.

وإذ نعتى هاهنا بتوكيد هذه الحقيقة فلأننا نؤمن إيمانا قويا بأن كل حركة نقدية لا تلتفت هذه اللفتة ولا تبذل عنايتها في هذا الجانب ستفقد غير قليل من أهميتها. لسبب بسيط وهو أن الأدب الخالص لا يكون إلا رمزيا للغاية، ولا يستطيعإلا أن ينصرف هذا المنصرف للتفرقة بين بعضه كفن وبين بعضه الآخر كعلم. وأول بيان كامل عن الرمزية هو ذلك الذي كتبه موريا في الملحق الأدبي للفيجارو بتاريخ ١٨ سبتمبر عام ١٨٨٦ حيث جاء فيه أن هذا المذهب إنما يهتدي بآثار بودلير عن (المجاوبات) عادة كنمط فريد للشعر الرمزي وهذه ترجمتها:

إن الطبيعة معبد أركانه أحياء،

يدعون ألسنهم أحيانا فتنطق بالكلمات المبهمة.

ويجوس الإنسان بين غابات الرموز،

فيرمقها بنظرات أليفة.

ومثلما تختلط إرجاع الصوت من بعيد،

في وحدة مظلمة عميقة،

رحبة مثل الليل ومثل الضوء،

تتشابه الروائح والألوان والأصوات،

والمعبد ملآن بالروائح الزكية كلحم الأطفال،

<<  <  ج:
ص:  >  >>