الذي تدور كل حوادث التوراة حوله. وكأنما لم يوجد البشر هذا العالم إلا ليستمتع ببحث شؤون هذا الشعب المصطفى وتتبع مراحل تقربه من الله أو ابتعاده عنه. وكأنما لا يستطيع الله أن يرسل أنبياء وهادين إلا من هذا الشعب المختار. ولا شك عندي في أن تقوى أهل القرون الوسطى والهالة التي يرونها تحيط بني إسرائيل في كتبهم المقدسة هي التي حالت بينهم وبين استئصال شأفة اليهود والقضاء عليهم في أوربا خلال تلك القرون. فهذه الهالة التي تحيطها كثير من الكتب المقدسة في العالم باليهود، وهذه الروح التي تبثها مختلف العقائد السياسية الحديثة من ديمقراطية وشيوعية وفوضوية والتي تشترك جميعها في عدم اعتبار الدين والعنصر أساسا للتمييز بين البشر؛ هذه العقائد في نظري هي المسؤولة الأولى عن الإبقاء على اليهود وإحاطتهم بضروب الحماية المختلفة وتركهم يعيثون في الأرض فسادا برغم ما عهده العالم بأسره فيهم من منافاة للطبائع والغرائز الإنسانية. وإني أعتقد مخلصا بأن العالم لن يصيب الراحة والهدوء ولن يسود السلم والاستقرار ما دام اليهود عنصراً فعالا فيه، وما دام بين الناس من لا يزالون ينخدعون بهم وينظرون إليهم نظرتهم لسائر أبناء البشر الآخرين. ولا مفر للبشر من اتباع أحد وجهين لا ثالث لهما لوضع حد لمفاسد اليهود وشرورهم، فأما أن ينبذوهم نبذا تاما ويقصوهم عن مراكز العمران في العالم يحصروهم في بقاع نائية حصرا لا مجال لهم معه إلى بث سمومهم في الناس. وإما أن يصدقوا النية في تغيير عقلية اليهود ومعتقداتهم بأخذ الأجيال الناشئة منهم وتربيتها تربية بعيدة كل البعد عن معتقدات آبائهم وأجدادهم بحيث يهدون إلى دين جديد كالإسلام أو المسيحية أو الكونفوشية أو البوذية أو أي عقيدة أخرى ويهذبون ويوجهون توجيها جديداً يتفق مع الخلق الكريم والمثل الإنسانية العليا لتصبح نفوسهم مثل نفوس سائر البشر. ولن يكون ذلك إلا بتفريقهم مجموعات بين الأمم بحيث ينسون لغتهم وتاريخهم ودينهم ويندمجون اندماجا تاما في الأمم التي يعيشون بينها ابتغاء حياة أسعد وأشرف لهم ولغيرهم من البشر. أما البريطانيون الذين أخذوا على أنفسهم تأسيس دولة لليهود في فلسطين فإنهم إذا لم يسارعوا إلى تدارك الأمر فسيكوون قريبا بنار ما جنوا ويحرقون معهم أجيالا من البشر وبقاعا من الأرض كانت قبلهم آمنة ومطمئنة البصرة.