الحال مع المسيحيين وسائر أهل المذاهب والمعتقدات الدينية؛ فالمبشر المسيحي المغالي في عقيدته الدينية إنما يجوب الأرض ويطوف بها رغبة منه في إسعاد أكبر عدد من البشر وهدايته - من وجهة نظره - فهو من هذه الوجهة إنسان كمل الإنسانية. وهذا هو عكس الحال مع اليهود تماما؛ فكلما كان اليهودي أكثر رغبة في إقصاء غير اليهودي كان أكثر تدينا وأكثر إيمانا بوجوب تسخير بني البشر لليهود. ويعتقد اليهود أنهم كلما أمعنوا في ذلك كان عملهم أدعى لمرضاة الله عنهم. ولو تصفح القارئ كتابهم المقدس لوجد على ذلك أدلة كثيرة، ففي محاصرتهم لأريحا عند خروجهم من مصر إلى فلسطين يأمرهم الرب أن لا يبقوا على ولد صغير وامرأة عجوز من أعدائهم بل يذبحونهم جميعا، فتأمل. . ومن قبل يأمرهم قبل مغادرتهم مصر أن يسرقوا ما تصل إليه أيديهم من حلي النساء المصريات، أي أن الله تبارك وتعالى يحلل لهم أموال ودماء غيرهم من البشر وغير ذلك وذلك كثير. بيد أنني لأعجب من اعتناق اليهود لمثل هذه العقيدة بقدر ما أعجب من أن كثيرين من غير اليهود وممن يفرض بأنهم مثقفون متنورون يؤمنون بأن الله عز وجل يمكن أن ينزل مثل هذه الأوامر لا لغاية ردعية أو عبرة معقولة وإنما ليمتع شعبه المختار بسفك دماء بني البشر الآخرين. وكيف بالله يسوغ عقل جواز الجمع بين مثل هذه الروح الشريرة وبين الروح النبيلة السامية التي تتجلى في دعوة السيد المسيح عليه السلام إلى نشر السلام والوئام والحب بين بني البشر أجمعين.
ولست أشك لحظة في أن الدرس اليهودي تناول كل مرافق حياة البشر رغبة منهم في أن يخففوا من غلواء مقاومة البشر لهم وقد نجحوا في ذلك نجاحا ملموسا، فأينما رأيت اضطهادهم يزداد في بقعة من الأرض رأيت عقائد جديدة تنتشر في تلك البقعة من شأنها أن تؤدي إلى التخفيف من هذا الشعور نحوهم؛ ففي روسيا انتشرت المبادئ الشيوعية التي لا تعتبر العنصر أو الدين مقياسا للتمييز بين الناس، وكأنما جاءت هذه العقيدة علاجا للتخفيف من الشعور المر الذي كان الروس يحملونه لليهود. وفي القرون الوسطى حينما انكشفت للناس أعمال اليهود القذرة من ربا واستغلال واحتكار انتشرت إلى جانب ذلك الروح المسيحية المتدينة بين الفرسان ومختلف طبقات الشعب في ولا شك أن المتمسكين بشكليات الدين وحرفيته من المسيحيين لا يستطيعون أن يتحرروا من العطف على الشعب