المغتصب إلى أهل البلاد يحكمون بلادهم بأنفسهم تسليماً بالحق الطبيعي للأمم.
وقد اشتغل من ناحية أخرى رجال من المنقبين عن المدنيات القديمة، فوجد وأن للأديان كلها أصلاً واحداً وغرضاً واحداً؛ فإما أصلها فهو التسليم بوجود خالق للوجود؛ وأما غرضها فهو العمل بما شرعه سبحانه للناس من السيرة الصالحة والأخلاق الحميدة. وأما ما وقعت فيه الأديان من تعديد الآلهة، ومن الشطط في ضروب العبادات، وصنوف الخرافات، فكلها ليست من الدين في شيء؛ ولكنها من وضع رجال الأديان حرصاً على المحافظة على سلطانهم وتسخيراً للشعوب لإرادتهم.
تحت تأثير هذين العاملين، وهما ثبوت وحدة الأديان، وتعذر الاستيلاء على الأمم الضعيفة وتسخيرها بالقوة، ارتسم في الجو العالمي حقيقتان كبريان: أولاهما وجوب إيجاد تعارف سلمي بين الشعوب المختلفة، يرمي إلى تعاون بين أجناس النوع البشري، تبطل في ظله الظليل المنافسات الاستعمارية، والمنازعات بين الشعوب القوية. أخذهما التنويه بوحدة الأديان ووجوب تطهيرها مما التصق بها من الآراء البشرية، والخباليات الشعرية لتؤدي مهمتها في رفع النفوس إلى المستوى الرفيع الذي يليق بكرامتها الفطرية.
هذان الأصلان هما أخص ما دعا إليه الإسلام منذ نحو أربعة عشر قرناً. فأما عن الزمالة الإنسانية العامة، ووجوب وجود المساواة بين الناس والتعارف بين الشعوب، فقد جاء عنه في الكتاب الكريم قوله تعالى:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير). وقد عمل المسلمون بهذه القاعدة فلم ينساحوا في الأقطار طلباً لاستغلال الأمم، ولا رغبة في تسخيرها، ولكن لمعاونتها على النهوض، وإحكام أوامر التحاب معها. وقد برت بما وعدت ورفعتها من حالتها التعسة إلى مستوى رفيع من الثقافة والمدنية، حتى أن شعوباً كانت تستدعيها لتحل بين ظهرانينا تخلصاً من نير حكوماتها الوطنية.
وأما من الناحية الدينية فإن الكتاب الكريم قد صرح بما أكتشفه العلم في القرن التاسع عشر من أن أصل الأديان واحد وأنها ما تخالفت إلا بسبب ما أدخله إليها المتسلطون عليها، إشباعاً لشهواتهم من الحكم والسيطرة. فقال تعالى عن الإسلام: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً، والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين