ولا تفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم اليه، ألله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب، وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم، ولولا كلمة سبقت من ربِّك إلى أجل مسمى لقضي بينهم، وإن الذين أوتوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب فلذلك فأدعو (أي لوحدة الدين فأدع)، وأستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم، والله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم (أي لا محاجة ولا خصومة)، الله يجمع بيننا واليه المصير). أي أنه شرع لكم من الدين ما نزل على أبيكم آدم، فإن دين الله لا يتغير، ولكن الأمم هي التي تولته فحرقته وصرفته عن أصله. فإياك أن تعدل عن هذا إلى سواه (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء).
وأبلغ مما مر في وجوب رد الأديان إلى وحدتها الأولى قوله تعالى:(إن الذين يكفرون بالله ورُسُلِهِ، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقاً، واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً). فقد أُمر المسلم أن يؤمن بجميع الأنبياء والرسل، وأن لا يتخير بعضهم فيؤمن بهم ويكفر بالبعض الآخر، فلا تتهم الوحدة البشرية التي يريدها الخالق لعباده، وهذا أقوى في الدلالة على هذا المبدأ في الإسلام، وهو عينه مرمى الإنسانية؛ ومردها الذي لا مصير لها غيره كما يتبينه الذين يتتبعون تطور المدركات البشرية.
وعلى هذا يكون الإسلام قد قصد بما شرعه للناس من دين عام توحيد البشرية. ووافق الطبيعة الإنسانية فيما ستؤول إليه تحت توجيه النواميس الاجتماعية؛ ويكون قد ترجم عما سيقع في مستقبل بعيد بقوله تعالى:(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد).