يكون مدفوعاً إلى ذلك بعامل نفسي قوي موصول بحب الخير؟
إن العالم يدين برفاهيته، وبشمول الخيرات فيه، لقوى نفسية اتخذت من المثل العليا رائدها في الطريق، فأحبت الخير، وعملت عليه، وبذلت جهدها له، حتى بلغت ما تريد.
المعنويات إذن هي نواة الرقي الماديّ. فإذا شئنا أن نعلي من شأن الماديات في حياتنا العامة، فعلينا أولاً أن نجند قوى النفوس للتخلص من أمراض النفوس.
ويلوح لي أن أعداء الإنسانية في المعسكر النفسي ثلاثة: الحسد، والبغض، والحقد.
وإن شئت قلت: أنه عدوٌّ واحد، يتشكل في ثلاثة أطوار من حياته، يبدأ في طور الطفولة حسداً، ثم يجتاز طور الشباب بغضاً، ثم يكون في كهولته حقداً.
يمد المرء عينه إلى ما حوله فإذا هو حاسد، ولا يلبث أن يسلمه الحسد إلى إبغاض لمن يحسده، وما هي إلا أن يحقد عليه، فيطوي النفس على إيذاء له، وإيقاع به.
ذلك العدو المثلث هو حجر الزاوية في مأساة البشرية، وليس ميدانه مقصوراً على الفرد وحده، ولكنه يتعداه إلى الجماعات على اختلافها، بل أنه يتخطاها إلى الدول على تفاوتها، والى الأجناس على ما بينها من تباين.
ولكي يناهض الإنسان هذا العدو الصميم، عليه أن يواجهه في معسكره الأول، أعني نفس الفرد. فإذا انكشفت عن الفرد عداوته، لم ينبسط لها ظل في الجماعات والدول والأجناس.
ولا تحسبن النفس الواحدة من الضآلة بحيث يتيسر علاجها على كل طالب، فإن هذه النفس عالم زاخر يحتاج إلى تنظيم وتدبير وسياسة لا تقل عن تنظيم الممالك وتدبير الأمم وسياسة الدول.
متى اشتملت نفس بهذه العداوة المثلثة عانت حالة من الضعف والمرض، وهذه الحالة لا تصيب النفس بدافع الحرمان وحده، فكم من نفوس حسدت فأبغضت فحقدت، لغير مسوِّغ من حاجة ملجئة، أو ضرورة داعية.
مرجع هذه العلّة النفسية إلى بذرة الأنانية، تلك التي تجعل النفس في بوتقة من القلق والاضطراب، يهيجها ما تراه حولها من خير ينصرف دونها إلى سائر الناس. فهذه النفس لا تسكن ولا تقر إلا إن وقفت بمرصد، لتردّ عن السبيل خطوات الساعين إلى الغايات.
كيف نكافح هذا العدو المثلث؟