للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كيف نهوّن من بطشه إن عزّ علينا أن نستأصل شافته؟

كيف السبيل إلى أن نوفر للنفس حظها من الصحة والعافية، فيجتمع لها من القوة والثقة ما تعتصم به من شر ذلك المرض الوبيل؟

لا جدوى لمختلف العقاقير والأدواء في علاج أمراض النفوس، فالسبيل في شفائها مرهون بترويضها على إيثار الخير، وحب الغير. . .

ليس في مقدورنا أن نروض أنفسنا على الخير الشامل دفعة واحدة، فالنفس حرون، وإن النفس لأمارة بالسوء، ولابد لها من مدارجة وملاينة، حتى تأبى الجماح، وتخفض الجناح.

ليأخذ المرء بادئ بدء بحبّ أقرب الناس اليه، وفي ذلك الميدان يتسنى له أن يقنع النفس بالحدِّ من الأنانية، فيهب من يشاركهم في العيش فضل سعيه، وموفور إخلاصه. ثم يخطو بخيره درجة أخرى، فيضم إلى أهله من يجدهم من حوله أعواناً وإخواناً. ولن يستعصي عليه بعد ذلك أن ينزل عن أنانيته طوعاً لمن لا صلة بينه وبينهم إلا صلة الإنسان للإنسان.

وبذلك التدرج في ترويض النفس على التخلص من الأثرة والأنانية، تتأصل تلك النزعة الإنسانية من الحب والخير. وفي هذا كسب للبشرية عظيم!

أذكر - فيما أذكر - قصة فتى فنان الروح، كان بالريحان ولوعاً، فأراد أن يستنبت وردة مثالية لا عهد بها لأحد، فقضى أعواماً يزاول تجاربه لجمع خصائص الورود الزكية في وردته المنشودة. وكانت تصاحبه فتاة رعناء، يطوي لها قلبه على حب فوّار، فأغدق عليها عطفه، واحتمل رعونتها في مصابرة ومطاولة، وأعانه حبه لصاحبته على أن يضل ساعياً لخيرها، لا يبالي أنانية نفسه وحقها عليه. وبينما كان الفتى مسترسلاً في تجارب الورود، كانت الفتاة تفكر في حسن معاملته لها، وصبره على أذاها. فأخذت تحاسب نفسها على ما كان منها، ورجعت تتودد إلى فتاها في دماثة خلق؛ ولين جانب. . .

ويوماً جاس الفتى مغتماً، يتحسر لإخفاقه في استنبات الوردة المثالية؛ فجاءته الفتاة مترفقة به، تسأله: فيم تفكر؟

فأبتسم لها ابتسامة يأس. فقالت له، وهي تلاطفه:

ألا يكفيك أن أكون وردتك المثالية التي نجحت في خلقها خلقاً جديداً؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>