هذه آية كريمة تتضمن وعداً كريماً صادقاً من الله، ومن أوفى بعهده من الله؟ وقد صدق الله وعده في فجر الإسلام وبعده في أزمان مختلفة، لأجدادنا الذين آمنوا به حقاً بقلوبهم لا بألسنتهم وحدها، إيماناً واجهوا من أجله الموت راضين سعداء، فلماذا لا يتحقق لنا كل هذا الذي وعد الله به مرة أخرى في هذا العصر إن حصلنا ما يجب أن يكون منا من أسباب؟
إن ارتباط المسبب بالسبب أمر ضروري لا شك فيه. وقد أخطأ الغزالي خطأ بليغاً، لا زلنا نعاني حتى اليوم من أثره السيئ، على العقل والفلسفة والصالح العام للمسلمين، وذلك حين حاول باسم الدين هدم القول بارتباط المسببات بأسبابها ارتباطاً ضرورياً لا عادياً.
نقول أخطأ الغزالي خطأ بليغاً، إذ كان من صنيعه أن وقر في نفوس عامة المسلمين - بعد أن قرر ما قرر وهو حجة الإسلام - أن المرء قد ينجح في حياته وهو لم يتخذ للنجاح أسبابه الضرورية، سواء أكان زارعاً أو صانعاً أو تاجراً أو رجل سياسة ودولة!
وكان من هذاأيضاً أن أخذ كثير، حتى من المثقفين، يتساءلون عن العلة التي لم يحقق الله للمسلمين هذه الأيام مظاهر القوة والسيادة، ما به يؤكد أننا حقاً خيرأمة أخرجت للناس وأن الإسلام خير الأديان. عن هذا يتساءلون، وينسون أن أي مسبب لا بد أن يكون له سبب، وإن خرق ذلك لن يكون إلا معجزة وقد مضى زمن المعجزات، يتساءلون عن هذا، وينسون إننا لسنا مؤمنين ولا مسلمين حقاً.
نعم! لنقل هذا صراحة، فلسنا من الأيمان بالقدر الذي به يحقق الله ما وعد لعباده المؤمنين. وأدنى هذا القدر أن نؤمن بالله وحده، وألا نرجوا أو نخاف غيره، وأن نتذكر أينما كنا من العالم أننا مسلمون، وأن نعمل دائماً عمل المؤمنين المسلمين.
هذا هو جماع السبب الذي به نكون أهلاً لنصرة الله لنا، وذلك ما ليس متحقق فينا بكل أسف. ولنكثف في هذا المقام بالقليل من الأمثلة، أو الواقعات التي شهدتها بنفسي وشهدها معي كثير من الإخوان المصريين المسلمين.
١ - دعيت أكثر من مرة لحفلات استقبال أقامتها هذه أو تلك من الدور الرسمية التي تمثل البلاد الإسلامية في باريس؛ فكان يجري في هذه الحفلات ما لا يذكرنا قط أننا في دار تمثل دولة من دول الإسلام. وحسبي أن أذكر أن من ضروريات هذه الحفلات أن تسيل الخمر كأنها الماء، وألا يتعفف عن شربها إلا القليل جداً ممن عصم الله، وأن يكون ذلك كله على