القوم هناك بعد الحرب يجتازون دوراً خطيراً من ناحية العقيدة والدين.
إن كثيراً من الشباب في أوروبا، وبخاصة شباب الجامعة، صاروا يعترفون بعجزهم عن فهم الديانة المسيحية وما فيها من أسرار تعجز العقل. وأن كثيراً من هؤلاء، بلغ بهم التفكير الجاد في هذه المشكلة؛ أن صاروا يتلمسون لأنفسهم عقيدة أخرى يفهمها العقل ويطمئن لها القلب؛ عقيدة تتفق وهذا العصر الذي نعيش فيه، العصر الذي لا سبيل فيه للأيمان بما يعجز العقل عن إدراكه.
رأيتهم يطلبون دنيا فيه للقلب هوى، وللعقل رضى، وفيه من الروحية ومن المادية؛ دين لا يرفض الدنيا، بل يأخذ منها ويعمل في الوقت الآخر نفسه للآخرة. وإن منهم من فكر حقاً في الإسلام ومن أطلعني على الأزمة متى يحسها ويجد لها قلبه وعقله مساً أليماً. ولكن هؤلاء وأولئك لا يجرؤن، مع هذا، على اليسير بعيداً فيما يفكرون فيه، إذ لا يجدون الوسيلة الصحيحة لمعرفة الإسلام ولا يطمئنون مع ذلك إلى هذا اليد مع ما يرون من سوء حالة المسلمين.
علينا أذاً، أن نقرّب هذا الدين، وأن نجلوه للطالبين: عقيدة وأخلاقاً ونظاماً اجتماعياً، في كتاب قريب التناول نترجمه للغات جميعاً في الغرب والشرق، ثم نوزعه في أقطار الأرض كلها. بهذا وحده يستطيع أن يعرف الإسلام من يريد، وبهذا نكون أدينا واجباً لهؤلاء الحائرين وما أكثرهم، وللإنسانية كلها، لأن أكثر ما كتبه غير المسلمين عن الإسلام تعوزه الدقة أو الأنصاف.
إني لأعرف ما يتطلب هذا العمل الضخم من جهود ومال، ولكني أعتقد أنه مع الإرادة الطيبة تستطيع أن تصل منه إلى ما تريد إن شاء الله الذي يوفق للخير ويعين عليه. وعندنا من رجال الأزهر والجامعة من يحتاج إليهم هذا العمل تأليفاً وترجمة ولنا من ذوي النعمة الطويلة واليسار العريض من لا تؤودهم التكاليف المالية.
ولعل فضيلة أستاذنا الأكبر شيخ الجامع الأزهر ينشرح صدره لهذا العمل فيتقدم الجميع في الدعوة له وإعداد العدة لتنفيذه؛ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.