للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الدول الفتية إلى التمسك بهذا المبدأ والاستفادة من هذا الدرس بعد تعمق وفلسفة واستقصاء مراميه فما ألقاه الشيوخ المحنكون - والبركان في أوج ميدانه واضطرابه - إلا بعد تجارب عدة حالفهم فيها التوفيق بالنسبة للأمم التي غلبوها على أمرها وكانت مستعصية عليهم، فلم يجدوا سلاحاً أفتك بالقوى وأقصم للظهور ولا أرق للأحرار من سلاح الدين والتقاليد يزلزلونها بحوريتين فتانتين اسمهما فلسفة العصر والمدنية وما هما - لو كنا نعقل - إلا الإلحاد والإباحية.

وقانون الاستعمار دائماً - على اختلاف الأزمنة والأمكنة - كما استنتجناه وشرحناه في غير هذا المكان (هو أن الثورات وليدة الفجور والإباحية التي هي معول الأديان والعقائد - وأن أصحاب المبادئ السياسية والاقتصادية لا يمكن أن تتنسم مبادئهم الحياة إلا عن طريق هذا الذي استنتجنا الآن وسميناه (قانون الهدم الاجتماعي).

ولقد فطنت الوحوش المستعمرة لهذا بدهائها وتجاربها وأفادت منه في اقتناص فرائسها وإشباع شهواتها الجامحة أيما استفادة على نحو ما قدمنا.

وأبسط تحليل لخفايا الأغراض المقنعة في فلسفتهم تلك التي تبدأ بنشر الفجور والإباحية وهدم حواجز الدين والتقاليد والعرف وخلال الحياء والشرف مجتمعة، وهذا بدوره يؤدي إلى التفكك والاضطراب والفوضى والثورات والانحلال، ثم ينتهي بالاستعمار - هو أن الفجور يفرق هلعاً من مجرد ذكر الحساب وتصور آلامه وأهواله على نحو ما وصفت الأديان؛ فبنشر مبادئ الإلحاد وبتسفيه القيم وبث المثيرات والمغريات وبتهيئة الأسباب وإزالة الحجب التي تحول بين الغرائز وبين الإشباع نجد قيامه - أي الفجور - وتحققه نتيجة طبيعية حتمية. ولابد أن يمر بالأطوار الآتية على أي حال: وهي أنه - وفكرة الثواب والعقاب ما هي - لا يقدم حتى يشك، ولا يشك حتى يكفر، وتتكرر الدورة فيشك ويكفر مرة ثانية وثالثة ولا يزال كذلك حتى يصير الكفر عادة ممتزجة بدمه ولحمه فيشك في كل شيء ويكفر بكل شيء فينتقم على كل شيء ويثور عليه، وفي الثورة يتم كل شيء وفق الخطة المرسومة بكل سهولة.

أجل! إن موات الأمم لا يحيا إلا بروح الدين والعقيدة، وإن ضعفها لا يقوم إلا بالاعتصام بروح الخلق والفضيلة، وتاريخ الأحياء - منذ كان لحياة الأمم تاريخ - لم يتحول عن هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>