المبدأ شعرة، وتاريخ الأموات - منذ كان لموت الأمم تاريخ - لا يخلو من شك وكفر وفجور واستباحة وفوضى. ولهذا رأينا شعباً صغيراً كالشعب البريطاني لا يتميز عن أقرانه في العدد ولا في القوة ولا في الثروة، ولكنه استطاع - بعد دراسته لنفسية الشعوب واستفادته من تجارب الآخرين في جميع العصور - أن ينتفع بهذا المبدأ في حالتي الإيجاب والسلب إلى أقصى ما يمكن أن يرقى إليه خيال: يحتل قارات بأسرها وشعوباً تكاد ترجح نصف المعمورة عدداً بحيث لو ملأ كل رجل فيها كفه من تراب إنجلترا لما وجدت مؤخرتهم أمامها غير مياه المانش وقد اتصلت بجليد القطب تملأ منها أكفها إن أرادت ألا تعود فارغة!
وأضننا - وقد بلغت هذه الإمبراطورية في الاتساع ما لم تبلغه أمة قبلها ولا بعدها حتى إنك لو سألت أحد أبنائها إلى أي الشعوب ينتسب لما أجابك إلا مزهواً وقد رفع رأسه عالياً (أنا ابن الأمة التي لا تغرب الشمس عن أملاكها) وعاشت برغم هذا أطول عمر عاشته أمة في التاريخ بلغ مئين السنين - أظننا وتلك أمة هذه عظمتها وهذا شأنها لا نعجب إن رأينا برلمانها - وهو ما هو - يجتمع مرات مستدعياً رجال الدين والرأي من أطراف البلاد وأقاصيها مع الساسة لأن روايةخليعة تمثل على المسرح أو الشاشة وللبلد دين وتقاليد!
وعلى هدى إنجلترا تحاول الدول التي منها امتدت جرثومة الفساد إلى سائر البقاع والتي جاوزت جميع المقاييس في التهتك والفجور والإباحية والتفنن في ذلك إلى حد جعل بعض العقلاء يلقبها بمومس العالم أو مزبلة الرذيلة، وفي اللحظة الأخيرة وجدنا هذه الدول تثوب إلى رشدها وترجع إلى الدين للمرة الأولى منذ العصور الوسطى التي يقولون، لأنه المنقذ الوحيد من الشر الذي ثار غباره في الفق. وليس ببعيد ذلك الذي صرح به الوزير الفرنسي الجديد يوم أن أشار إلى أن معظم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعانيها فرنسا الآن إنما ترجع إلى الانهيار الخلقي واستشراء وباء الفسوق في تلك البلاد.
ولقد تجاوب صدى هذه الدعوة في دول أخرى مماثلة، ورأينا - ونحن نكتب هذه السطور - إيطاليا نعم إيطاليا، يقرر مجلس (شيوخها) إلغاء البغاء في جميع البلاد الإيطالية بأغلبية مشرفة!
أجل! تعود الأمم الأبية التي تريد الحياة الحرة إلى الدين منقذ الإنسانية الأمين لأنها أشرفت