كما كان يظن الأوائل، أم هو كل فرد وكل جماعة يتكلمون العربية وتدعوهم الحاجة إلى وضع اللفظ للمعنى الذي ولدوه، وللشيء الذي أوجدوه؟ إن حق الوضع حق مطلق لا يتخصص بأحد ولا يتعلق بظرف، يملكه الفرد والجماعة، وتملكه الخاصة والعامة؛ فالعلماء يضعون مصطلحات العلوم، والرياضيون يضعون مصطلحات الرياضة، والأطباء يضعون مصطلحات الطب، والفقهاء يضعون مصطلحات الفقه، كما أن الصناع يضعون لغة المصنع والورشة، والزراع يضعون لغة الحقل والحظيرة، والتجار يضعون لغة الدكان والسوق، ومجمعكم الموقر يشارك هؤلاء وأولئك في الوضع والتعريب، ويختص جميعاً بالتسجيل والتصديق. فأيما كلمة توضع لا تدخل في اللغة قبل أن يسمها بميسمه ويدخلها في معجمه؛ وبدون ذاك نقع فيما وقع الأولون فيه من تعدد الوضع في المرتجل واختلاف الصيغ في المشتق.
وإذا سمحتم أيها السادة أن أجعل لهذه الكلمة نتيجة إيجابية فإني أتقدم إلى معالي رئيس المجمع باقتراح يشمل أربعة أمور أرجو أن يأذن في عرضها عليكم لتمحصوها وتصدروا قراركم فيها:
١ - فتح باب الوضع على مصراعيه بوسائله المعروفة وهي الارتجال والاشتقاق والتجوز.
٢ - رد الاعتبار إلى المولد ليرتفع إلى مستوى الكلمات القديمة.
٣ - إطلاق القياس في الفصحى ليشمل ما قاسه العرب وما لم يقيسوه، فإن توقف القياس على السماع يبطل معناه.
٤ - إطلاق السماع من قيود الزمان والمكان ليشمل ما يسمع اليوم من طوائف المجتمع كالحدادين والنجارين والبناءين وغيرهم من كل ذي حرفة.
فإذا أقررتم هذا الاقتراح أيها السادة دفعتم معرة العدم والعقم عن هذه اللغة الكريمة التي سمعناها في القرن الخامس تصف ناقة طرفة فتسمى أعضائها عضواً عضواً، وتنعت أوضاعها وضعاً وضعاً، في ٣٤ بيتاً من معلقته؛ ثم نراها في القرن العشرين تقف أمام سيارة فورد بكماء بلهاء، تشير ولا تسمى، وتجمجم ولا تبين. وأني أشكر لكم يا سادتي حسن التفاتكم وكرم إصغائكم؛ والله يهدينا الطريق ويلهمنا التوفيق.