والله. وقد كنت أطالع أقواله كلها على كرهي لقراءة أقوال المعاصرين. وأذكر أني أطلعت له في جريدة طرابلسية على فصل من كتابه (أحسن القصص) منذ تسعة أشهر أو أكثر أو أقل. وقد كنت قرأت التاريخ النبوي في كتب جمة، فلم أملك نفسي عن قراءة ذلك الفصل من أوله إلى آخره. ولقد وطنت النفس يوم سافرت إلى سوريا منذ سنتين على أن لا أحج إلى طرابلس لأرى فخرها. فحال دون ذلك مرض عراني وأنا في دمشق. وقد احتفي بي علماء دمشق وعلماء بيروت حين زيارتها احتفاء عظيماً إنساني أني أنا إسعاف، ذلك الغلام الصغير الحقير. ومن الذين غمروني بإحسانهم وأكرموا مثواي الأستاذ البيطار والقاسمي وكرد علي والشرتوني والبستاني وغيرهم، أكرموني وهم يعلمون كما علم الأستاذ أني أمي جاهل. لكن اتبعوا قول أديب خراسان في ذلك الزمان:
لا تعجبن من عراقي رأيت له ... بحراً من العلم أو كنزاً من الأدب
واعجب لمن ببلاد الجهل منشأه ... إن كان يفرق بين الرأس والذنب
علم سيدي ميلي إليه قبل إنشاء جريدته؛ فلما صدر (البرهان) وجاءني دون طلب مني، ورأيته ينظر إلى الحالة السياسية كما أنظرها أنا - ارتحت إليه أي ارتياح، وأنشأت تلك الكلمة ثم أردت أن أخدم (البرهان) بما يجب علي فعاق الذي عاق:
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان
وكيف لا أجنح إلى خدمة أفضل جريدة في سوريا لأكبر كاتب سوري، وأنا أرى مثل جريدة المفيد (وهي كما يعلم سيدي ويعلم أصحابها) سخيفة لسخفاء، عامية لعوام، يقدم لها المنتدى الأدبي في الأستانة (٥٠٠) ليرة عثمانية. كما أخبرني رئيس المنتدى نفسه يوم جاء القدس. وقد بينت له قدر الجريدة وقدر أصحابها فحوقل واسترجع. أنا يا سيدي لم أعتد مساعدة الجرائد ولا خدمتها، ولست مشتركاً غلا بالبرهان وفي جريدة أخرى بيروتية كان صاحبها وكيلي أيام كنت في بيروت. وأما باقي الجرائد التي تأتيني وهي قليلة فهي تقدمة من أصحابها. بيد أني أود مساعدة (البرهان) وخدمته لأني أهوى صاحبه. وأكبر دليل على أني أهواه أني أطلعته على ما لم أطلع عليه أحداً، وخاطبته في رسائلي بحرية عظيمة بما لم أخاطب به أصحاب (الجريدة) و (الأهرام) وغيرهم؛ بل لم يكن لي معهم علاقة، ولم أكن مشتركاً في جرائدهم ولم تكن تأتيني.