ولدينا الكثير أيضاً من تراجم الطوائف الخاصة كالفلاسفة والأدباء والقضاء والنحاة وغيرهم، مثل أخبار الحكماء للقفطي، وطبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، ويتيمة الدهر للثعالبي، ومعجم الأدباء لياقوت، وقضاة مصر لابن حجر، وكثير غيرها؛ هذا عدا كتب الطبقات الخاصة بتراجم فقهاء المذاهب المختلفة وهي كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.
والخلاصة أن الأدب العربي غني بتراثه في فن الترجمة، وقلما تنافسه في ذلك آداب أخرى، إذا استثنينا العصر الحديث. ولكن هذا التراث الحافل يقف مع السف عند بدء تاريخنا الحديث؛ ولو لم يوهب لمصر مؤرخها البارع عبد الرحمن الجبرتي في القرن الثاني عشر (القرن الثامن عشر الميلادي) ويتحفنا بموسوعته النفيسة (عجائب التراجم والآثار) لضاعت إلى الأبد حقائق ومعالم كثيرة عن تاريخ مصر في هذا العصر؛ ولطمست سير الكثيرين من أعلامه. نعم إن الترجمة العربية لم تعرف الأسلوب النقدي، ومنهج التحقيق العلمي، لأنها ازدهرت في عصر كان التاريخ فيه أقرب إلى الرواية؛ ولكنها مع ذلك تتمتع فضلاً عن غزير مادتها بكثير من التحقيق التاريخي، وفي وسع المؤرخ الحديث أن يستخرج منها نفائس مادته؛ وقد كان الجبرتي خاتمة هذا الثبت الحافل من مؤرخين عنوا بتدوين الحوادث والتراجم المعاصرة، ولم يقع لتراثنا مثل هذا الأثر النفيس منذ الجبرتي أي منذ أوائل القرن التاسع عشر. وقد تقدمت المباحث لتاريخية في العصر الأخير تقدماً واضحاً، وبدئ بكتابة تاريخ مصر الحديث؛ ولكنا حتى في هذه الناحية العامة ما زلنا في مستهل جهودنا؛ ومما يبعث على أشد الأسف واللم أن نجد عناية الكتاب الغربيين بكتابة تاريخنا الحديث سواءً من الوجهة العامة أو من بعض الوجوه الخاصة أوفر من عنايتنا، وان نجد في مختلف اللغات الأوربية من الآثار المتعلقة بتاريخنا أكثر مما نجده في لغتنا العربية.
أما النواحي الخاصة في تاريخنا القومي، وأما سير عظمائنا، وهي التي أوحت إلينا بكتابة هذا الفصل. فما زالت مغمورة منسية. وأي نسيان، بل وأي نكران أشد من أن يبقى ذلك الثبت الحافل من عظمائنا ومفكرينا في لعصر الحديث دون ذكر محقق منظم؟ أليس مما يشين نهضتنا العلمية والأدبية أن يحرم رجال مثل عرابي والبارودي وعلي مبارك ومحمد عبده ومصطفى كامل وسعد زغلول وغيرهم من أبطال نهضتنا القومية من تراجم ضافية،