ورائه على صاحب الشأن. أما الاختيار فلا ينصب على الأفضل وإنما ينصب على الأوفق مهما كانت درجة انحطاطه وسخافته ومهما بلغ من التفاهة في أنظار الناس الاختيار بريء من الغرض وخال من المنفعة وقد يكون من ورائه ضرر أي ضرر. ولذلك نباعد بينه وبين التفضيل والانتقاء؛ ونذهب إلى أبعد من ذلك فنقول إن الاختيار أكثر التصاقاً بالحرية ما دام ينبني على أخطار أكثر وعلى مآزق أشد وعلى مجال أضيق. ثم إنني في الاختيار بغير انتظار لمنفعة وبدون أمل في كسب أنشد غاية من الغايات وألغي ما عداها. فأحس بأنني حددت من وجودي مرة واحدة بلا مقابل وانصرفت إلى جانب واحد أعيشه وأجلب ممكناته. وفي الوقت نفسه أعدمت بيدي سواها من الغايات حيث لا ضمين لي على حسن الاختيار ولا شفيع لي عندما تؤدى إلي أدنى وضع وأخس درجة.
فحسب النقطة الثانية نواجه الغايات فنعدمها إلا واحدة وفي هذه الفعلة نحن نحصر أنفسنا في نطاق واحد ونعدم ما عداه فتكون الحرية عند الاختيار متوقفة على العدم المتمثل في عملية الإعدام هذه أي ذلك العدم الذي ينزل بساحة الغايات الأخرى التي لم تقع عليها الخيار. أما حسب النقطة الثالثة فنذهب بعيداً لننظر في العدم الذي يحول بيني وبين تحقيق الغاية التي أخترتها، إن الدافع والفعل والغاية تكون لدى سارتر شيئاً واحداً متصلاً وتعد في نظره كلاً ملتحماً. وهذا عادي جداً في نظر الفيلسوف الذي لا يعترف بالتجزئة في الشيء ما دام من الممكن استكماله في الزمن. إن الزمن حقيقة. يعمل الفيلسوف حسابها ولا يخشى من الحكم عليه بأنه ينظر في أمور لا وجود لها. لقد كان أر سطو مهتماً خصوصاً بالبحث في العلة الغائية ولم يخش تقول القائلين ومزاعم الناقدين الوضعيين من أبناء هذا العصر الحاضر. وكان يريد ألا ينظر إلى الوسائل إلا من خلال الغاية ولا يتطلع إلى الأجزاء إلا من نوافذ الكل المكتمل وإذا كان هذا دأبه فلا بد من الشعور بأن المستقبل على الرغم من أنه في جوف العدم، يحتوي على حقيقة وجودية هامة هي حقيقة الغاية التي نعمل على تحقيقها بالوسائل المختلفة والأدوات المتباينة. فالغاية ليست بمفردها ولا تقوم بمعزل عن الفعل والحافز في فكرة الحرية تبعاً للنظرة الوجودية الفلسفية. ولكن لا يعني ذلك أن الغاية موجودة وجوداً واقعياً؛ إذ أن العدم يفصل بينها وبين الوجود الوقتي في اللحظة الحاضرة. فالحرية عند سارتر تتعلق بالغاية، والغاية بعيدة عن الواقع بقدر ما يبطلها العدم أو بقدر ما