ووقف كوشون وفي يده ورقتان مخطوطتان عليهما جملتان أحدهما السجن المؤبد إذا خضعت لما طلب إليها؛ والثانية إحراقها لو ظلت على إنكارها. فلما قدمها إليها للتوقيع على أحدهما وقعت على الأولى وخط كاتب الجلسة وهو جيلبرت مانشون على هامش الورقة هذه الكلمات (وفي آخر الحكم قالت جان تحت تأثير الخوف من الإحراق بأن عليها إطاعة أوامر الكنيسة).
حصلوا على مبتغاهم فأرسلوها موثقة إلى سجنها. فلما رأت نفسها وحيدة عاودتها شجاعتها فأعلنت أنها لم ترتكب أي جرم وإن كل ما قالته كان خوفاً من النيران؛ إلا أن صراخها ذهب هباء وتقرر إحراق العذراء البريئة التي كانوا يخشونها في قلوبهم.
وتبع الجنود الإنجليز العربة التي حملتها إلى السوق القديمة في روان حيث أعدت لها النيران، وصفت الكراسي على الأفريز جلس عليها الأساقفة لمشاهدة حفلة إحراقها وخطت إليهم طالبة صليباً إلا أن أحداً منهم لم يجرؤ على إعطائها إياه.
وأوقدت النار، وتطلعت جان لآخر مرة إلى العالم الذي ملأته نصراً وإعجاباً فظهرت وعليها مسحة نبيلة هي قوة مقدسة من وراء العالم وتخيلت أنها تسمع الأصوات التي اعتادت سماعها تكلمها من قلب النيران وصاحت (قد كنت أضنني مخدوعة) وهذه هي آخر جملة فاهت بها - وجمع أسقف وينشستر رفات جسدها المحروق ونثره في نهر السين وحلقت روحها العظيمة فطمست عار الذين حولها وقسوتهم. وترى اليوم تمثال جان دارك الذهبي مواجهاً لأسقفية وينشستر في كاتدرائيتها وستظل إلى الأبد رمز المثابرة والوفاء والشجاعة النادرة وطهارة القلب - وإذا كانت قلوبنا تتفطر حسرة على نهاية هذه البطلة المحزنة إلا أن هذه النهاية تتوج من غير شك قصتها العجيبة.