للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حظها فقد هبط ميزان الإخلاص لها ولكنها ظلت برغم هذا الغدر موالية للبلاط. ذهبت إلى كنيسة سانت دنيز وألقت عن نفسها لباسها الحربي وتركته على هيكل الكنيسة واندمجت في البلاط مدة قصيرة مخلصة له فلما رأت أن لا محل لها به هجرته.

لا بل إنها مدت يد المساعدة من جديد إلى هذا المخلوق المسكين الذي أهملها وهي توجته وذلك في كامبين حيث حلت به ورطة كادت تفقده حياته فأسرعت إليه وألفت فصيلة للسعي إلى تخليصه. وفي أثناء هجوم غير منظم أحاط بها الأعداء فسقطت عن جوادها وقبض عليها ثم بيعت إلى الإنجليز مقابل دراهم معدودة.

لم يمد أحد يده لنجدتها. نعم إن سكان المدن الذين خلصتهم بكوا من أجلها ولكن فرنسا الرسمية لم تحرك ساكناً بينما أشعلت باريس المشاعل وأخذ أهلها يغنون فرحين لأن جان قيدت بالسلاسل وأودعت قفصاً من حديد، وفي روان أخرجوها من قفصها وشدوها إلى عمود يحرسها الجند ليلاً ونهاراً يتجسسون عليها، ثم واجهوها في كنيسة صغيرة في معقل روان بقضاة عينوا لمحاكمتها.

وليس هناك إنجليزي واحد لا تخجله هذه الصفحة من تاريخ إنجلترا. ولو عذرنا الإنجليز فيما فعلوه بجان لأنها عدوة لهم يرون فيها ساحرة ذات دهاء وخبث وقوة وإصرار فما الذي نقوله عن مواطنيها أنفسهم الذين تخلوا عنها وباعوها ثم قعدوا ساكنين لا يتحركون يشاهدون أدق فصل من فصول مآسي التاريخ كما يشاهد المتفرج قصة بسيطة على مسرح التمثيل؟

وكان لا بد من محاكمة جان دارك بتهم وضعوها لها وأحاط بها القضاة كما تحيط الذئاب الكاسرة بالحمل الوديع مصممة على الفتك به. هددوها بالتعذيب وأمطروها وابلاً من الأسئلة ولكنها رغم كل ذلك بقيت على إنكارها للتهم التي كيلت لها.

وفي النهاية أخبروها أنها لو وقعت على ورقة تقر فيها أنها مذنبة قاتلة لا يحكمون عليها بالقتل، فأجابتهم متحدية أنها لا تخضع لأمرهم ولو رأت النار مهيأة لها - وأخيراً بعد أن ذاقت جان مر العذاب أخذت المسكينة تستعطف قضاتها معلنة إليهم أنها امرأة ضعيفة كسر قلبها طول العذاب والتهديد بالنيران. ولم يجد استعطافها شيئاً أكثر من زيادة التعذيب فخضعت لهم بدافع حب الحياة وتأثرت بصياح الشعب فيها (هل تودين الموت يا جان؟ ألا

<<  <  ج:
ص:  >  >>