فهم أر سطو بالتعليقات التي ذيل بها المترجم الفرنسي صفحات ترجمته، وهي المنقولة بين يديك إلى العربية، وأحمد معي - في هذا المقام - هذا الجهد الرائع المخلص الذي بذله - وما يزال يبذله - إمام الجيل وأبو الفلسفة أستاذنا لطفي السيد باشا في إخراج تراث أر سطو الفلسفي إلى العربية هذا الإخراج الجبار، الذي تعرضه دار الكتب المصرية في أجمل ثوب وأكمل صورة، فتجمع لها عظمة المادة والصورة، كما ترى في الكتاب الذي تقلب صفحاته، وهو واحد من جملة أسفار بعضها في ضعف حجمه، هي أهم ما لأر سطو من كتب: فإلى جانب الكتاب الثاني في الأخلاق المتمم لهذا، ثم كتاب الطبيعة، وكتاب الكون والفساد، وتحت الطبع الآن كتاب السياسة الكبير، كان الرجل - أطال الله بقاءه - يعمل فيه وهو وزير للخارجية يضطلع بمذكرات المفاوضات ونيابة رياسة مجلس الوزراء في عهد وزارة صدقي باشا ولورد استانسجيت، أفترون إخلاصاً للعلم واستغراقاً فيه أروع وأبلغ من هذا؟ أليس لكم في ذلك أسوة حسنة؟
ربما يؤخذ على هذا العمل العلمي الجبار مأخذ واحد، وهو أنه - على إخلاصه وأمانة النقل وحسن الأداء فيه - قد ظهرت ترجمتان فرنسيتان أدق من تلك التي نقل هو عنها. وما ذنب الكاتب الذي كان يترجم منذ ١٩٢٠ ألا يتنبأ بما سيظهر بعدئذ من الترجمات لبعض كتب متفرقة؟ وهل ينبغي - انتظاراً للأحسن والأكمل - أن نقف عاجزين لا ننقل إلى لغتنا تراث الفكر الغربي وأر سطوا خصوصاً؟ إن ترجمة كتب أر سطو التي قام بها معالي لطفي باشا عمل جليل لا يحدث مرة في كل قرن، فلا ضير عليه أن يقال فيه ما يقال - فللعامل أن يعمل وينتج، وللعاجز أن يقف جامداً، ثم لا يملك إلا أن ينقد فالهدم أيسر من التأسيس والبناء.
ويشاء الله إنصافاً لصاحب هذه المهمة الجليلة أن يقفي على آثار المترجم الفرنسي بصاحبه المصري فيما ولى كلاهما من أمور الأستاذية وشئون الحياة، ليتشابها في معرض المقارنة في كل شيء كلاهما أستاذ لكرسي الفلسفة الإغريقية في جامعته هذا في الكوليج دي فرانس وذاك في الجامعة المصرية: وكلاهما ناقل أر سطو ومترجمه إلى لغته؛ هذا في الفرنسية وذاك في العربية، وكلاهما آخر الأمر وزير لخارجية بلاده: هذا في فرنسا وذاك في مصر؛ كما قلت في تقديم محاضرة ألقاها بكلية الآداب وهو وزير للخارجية.