وما أحشد العامة لما احشد له الخاصة، ولكل مقام مقال. وبعد، فالشوط بطين، احسبنا عند المدى أو دونه بقليل فلنختم الحديث هنا، لنبدأه بعد في غير حلبة النفس.
وأراك تذكر الحكيم الترمذي ولا تنظر إلى قول ابن العربي (اختلفوا في النفس والروح، فقيل هما شيء واحد وقيل هما متقاربان. وقد يعبر عن النفس بالروح وبالعكس، وهو الحق).
ونسيبه قول من عزب عن بالي ربه (النفس جوهر بخاري لطيف يحمل قوة الحياة والحس والحركة الإرادية، وتسمى بالروح الحيوانية).
وغير هذين فقولي في (التنفيس) رد للفرع إلى أصله المشتق منه، ويبهرك مسوق ابن فارس (شيء نفيس، أراد أنه ذو نفس بالتحريك). وتظنك مفسداً عليه مقيسه بخشاش الأرض وأصلالها.
وفاتك أن الحي ذا النفس نفيس، إن قيس بفاقده. ذاك أصله. واذكر علته (أراد أنه ذو نفس).
ويحضرني هنا لابن جنى في الاشتقاق الأكبر قوله (هو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثة، أي الثلاثي والرباعي والخماسي، فتعقد عليه. وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه وإن تباعد شيء من ذلك رد بلطف الصنعة والتأويل إليه).
وإن شئت على ذلك مثلاً أو مثلين فخذ (ك ل م) و (ق ول) في تقليبهما الستة. فتجد تقليب أولاهما على القوة والشدة، وتقليب ثانيتهما على الإسراع والخفة.
(والنفث) يا سائلي أصل صحيح يدل على خروج شيء من فم أو غيره. فبينه وبين (النفس) جامعة الخروج. وأحدهما أعم والآخر أخص.
(والنفش) مرده كما قلت إلى التفرقة والانتشار. أو ليس انفصال شيء عن شيء وخروجه عنه انتشاراً وتفرقاً؟
وتصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني غور من العربية لا ينتصف منه. من ذاك (ج ب ل) و (ج ب ن) و (ج ب ر) فجميعها من الالتئام والتماسك. فالجبل لشدته وقوته، والجبان لأنه