الحركة، والأمنية فالمباغتة من أخطر المبادئ التي كانوا يتوخون منها الفوز في جميع خططهم لذلك تدل أخبار أيامهم ووقائعهم في الردة على عنايتهم الزائدة بالاستطلاع فكانت العيون تسبق حركاتهم، فأما أن يباغتوا عدوهم بأخذه على غرة، أو أن يكمنوا له فيفاجئوه.
أما مبدأ المقدرة على الحركة فظاهر من سيرهم على ظهور خيلهم أو جمالهم خفقاً مسافات بعيدة بسرعة فائقة وأما عنايتهم بمبدأ الأمنية فمعلوم من إيفادهم الأرصاد والعيون، ووضع الخيالة في المجنبة في القتال، ومراقبة جاني العدو مراقبة مستمرة للهجوم عليه عند سنوح الفرصة.
ومن المحتمل إننا لا نرى في كتب التاريخ مثالا للحركة السريعة التي قام بها خالد بن الوليد حين أمره عمر بنجدة جيش سورية وهو يحارب في العراق فقطع ابن الوليد البادية بجيش يبلغ عدده آلاف مقاتل على ظهر الخيل والجمال، وابتدع وسيلة لضمان الماء اللازم لخيله، وذلك عمل يدل على نبوغ نادرة، وسنشير إلى ذلك عند البحث في فتح العراق.
وفي غزوة أحد كانت قوة المسلمين ألف رجل، تختلف منها ثلاثمائة رجل. وكانت قوة قريش ثلاثة آلاف رجل، فنظر الرسول في كثرة قوة العدو، فأخلى المدينة وأنسحب إلى شمالها جاعلاً جبل أحد خلفه، للاستفادة من مناعة ومن وضعه المشرف على ما حوله ولما لم يكن الجانب الأيسر مسنوداً بقوة، وضع فيه مفرزة رماة بقوة خمسين رجلا لحمايته. أما جيش قريش فرتب صفوفه للهجوم بعد ان وضع قوة الخيالة على مجنبته، وكانت تبلغ مائتي رجل، وقدم الرماة في الخط الأول.
وكان خالد على رأس خيالة قريش في الجانب الأول يراقب رماة المسلمين ويشاغلهم ويتحين الفرص للهجوم عليهم، لكي يقطع خط الرجعة على المسلمين. وفعلا استطاع ذلك لما سنحت الفرصة، فقلب فوز المسلمين إلى انكسار مروع. فهذا كله يثبت لنا إن للعرب أسلوبا في القتال، وان مبدأ الأمنية كنا من اخطر المبادئ التي ساروا عليها. وفي يوم ذي قار نرى بوضوح النظام الذي سار عليه العرب في قتالهم الفرس، وهو يؤيد ما ذهبنا إليه.
ولا يخفى ان معركة ذي قار وقعت بين غزوة بدر وغزوة أحد، فانتقم فيها العرب من الفرس، ونالوا ظفراً حاسما شجعهم على الاستهانة بقوة فارس، وساعدهم على غزو بلاد السواد غزواً متواصلاً، حتى آل الأمر إلى فتحهم تخوم العراق.