ويروى لنا صاحب الأغاني أخبار ذلك اليوم بالتفصيل والواضح من ذلك ان العرب عبأوا صفوفاً وقسموها إلى كتائب، وجعلوا الطعن في الوراء ليحموه بقلبهم، وكان بمنزلة القاعدة التي يتمنون منها الجيوش في يومنا هذا وتوضع الخطط الحربية لحمايتها.
وأقاموا قوة في الميمنة من بني عجل، وقوة في الميسرة من بني شيبان. أما القلي فالفته قبائل بني بكر بن وائل. ومن الأساليب لبتي ساروا عليها انهم لم يقدموا الصفوف للقتال دفعة واحدة لكي لا تصيبها سهام الفرس فتفتك بها وكان الفرس على ما نعلم ماهرين في الرماية والحقيقة إن تقديم الصفوف بأجمعها في وقت واحد يجعلها عرضة للسهام دفعة واحدة بينما البدء بالحركة بكتيبة واحدة يجعل الصفوف الأخرى في مأمن من ضررها. وهذا من الأساليب التي كانت تراعى في هجوم الخيالة على المشاة، إذ تبدأ الحملة بخط منتشر ضعيف من الخيالة وتليها الخطوط المنظمة.
فالعرب على ما يظهر جلياً دخلت ميدان القتال بنظام لم يكن اقل شأنا من نظام الفرس. وكان منأمره أن هزومهم شر هزيمة، وطاردوهم إلى أرض السواد بعد أن غنموا أحمالهم وأثقالهم.
ولعل الطريقة التي سار عليها الرسول (ص) في غزوة بدر تدل على فكرة التعبئة عند العرب. كانت قوة المسلمين تبلغ ثلاثمائة مقاتل. بينهم خيال أو خيالان فقط، بينما كانت قوة قريش تربو على الألف وفيها مائة خيال.
وكان القصد من هذه الغزوة مباغتة قافلة قريش عند عودتها من الشام إلى مكة. ولما وصلت قوة المسلمين إلى مياه بدر علمت من الأسرى إن قريشاً أنجدت القافلة بقوة كبيرة كانت ثلاثة أضعاف قوة المسلمين. وكان لابد من الاصطدام، لأن انسحاب المسلمين دون القيام بعمل مما يؤثر في سطوة الإسلام ويشجع المنافقين على الشغب.
لذلك قرر الرسول إن يقاتل قريشاً بقوته الضعيفة على ان يزيد مناعتها بالتدابير التعبوية الموافقة. فاختار موضعاً يهيمن على معسكر قريش وقسم قوته إلى ثلاثة اقسام، وجعل لكل قسم قائداً، ورتب الأقسام بعضها بجانب بعض، وعبأها صفوفا كالبنيان المرصوص، وعرض الصفوف بنفسه فقدم المتأخر من الجنود وأخر المتقدم فأصبحت الصفوف متراصة. ومنع المسلمين من رمى السهام ومن التفاخر، وطلب منهم أن لا يتقدموا من