للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عينيه المغوليتين بمصارع الهيجاء، وتشنف أذنيه الوحشيتين بصليل السيوف وصهيل الخيول وانين المكلومين، وتملأ جيوبه من سلب المهزومبن، وأموال المغلوبين؛ وقد شاع الفرح في وجهه عندما سمع مقالة الملك له: (يا بولاي، أنت قائدي المغوار، وداهية التتار، وتعلم مالي ولك قبل المصريين من دخول وثارات، تنادي بها دماء آبائي وآبائك المسفوكة بسيوفهم، المطلولة برماحهم، فقد دسنا الدنيا وداسونا، وأذللنا الشعوب وأذلونا، ولم يكفهم رد غاراتنا، حتى هاجمونا في عقر دارنا، غزونا في بلادنا، وما تزال سيوفهم تقطر بدمائنا، وقد آن الأوان لنأخذ بالثأر، ونكيل بالصاع صاعين، ونرد لهم الدين) ثم اشتد غضب قازان وتطاير الشرر من عينيه، وصاح صيحة منكرة، كاد من هولها يخشى على كل من في المنزل: (يا بولاي، اجمع فرسان التتار، وأبطال التركمان، ورماة المغول، ولا تدع ضارباً بسيف، ولا طاعناُ برمح ولا رامياً بسهم إلا جيشه) ثم سكت قليلا وقال:

(يا بولاي الحرب خدعة، والواقعة يجب أن تكون فاصلة، والعدو صعب المراس، تعود أكل لحومنا، واستمرأ شرب دمائنا، فاستعن في هذه الواقعية بجميع أعداء المصريين، من صليبين وروم وأرمن، واضرب المصريين ضربة تنسى العالم هزائمنا المتوالية أمامهم، وتحسم الأمر بيننا وبينهم.)

أجاب بولاي بالسمع والطاعة، وسجد للملك وقبل الأرض بين يديه، ثم قام وهم بالانصراف، فاستدعاه الملك ثانياً وقال له: يابولاي، لا تعبا بالوقت، فإنا لا اطلب العجلة وإنما أطلب النصر، فلا تتحرك بالجيش إلا إذاتم استعدادك، وصار النصر منك على طرف التمام، واقطع على المصريين الأخبار حتى تفاجئهم غير مستعدين).

الشام في فزع:

تم استعداد بولاي وتحرك جيشه نحو الشرق، ووصلت الأنباء بذلك بلاد الشام، بعد أن كشف السر، وعرف عزم التتار، فجفل أهل الشام، وتفرقوا في السواحل، وتشتتوا من الفرات إلى غزة. . . وعظم خوف الناس وصياحهم على الإسلام وأهله) ولولا أن سلطان مصر بعد أن بلغه الخبر أخذ يبعث البعوث لطمأنة خواطرهم، ما بقي منهم في الشام أحد؛ لأن أهوال التتار في البلاد المغلوبة معروفة للخاص والعام، وهم وشيكو عهد بمذابح بغداد وفظائع هولاكو خان في العراقين، لم يرحم شيخاً ولا طفلاُ ولا امرأة، ولا عف عن منكر،

<<  <  ج:
ص:  >  >>