لوحة العلوم وقائمة المعارف عنده، لما هنالك من تقارب كبير بين تقسيم العلوم عنده وتصنيف الشراح لكتبه. فإن العلم ينقسم عند أرسطو - باعتباره الغاية التي يؤدي أليها - غلى نظري وعملي.
فالنظري غايته العلم والمعرفة لذاتها ابتغاء الوصول إلى الحقيقة. فإن تعلق العلم والمعرفة بموجود هو مادة وحس وحركة فهو العلم الطبيعي، وإن تعلق بموجودات مجردة عن هذه ولكنها كم ومقدار فهو العلم الرياضي. وإن كانت مطلقة التجريد عن ذلك كله فالعلم الإلهي أو الميتافيزيقا.
أما العلم العملي فليس الغرض منه مجرد الوقوف على الحقيقة أو الحق وبالإنجليزية أعني العلم للعلم والمعرفة لذاتها كالعلم النظري، بل يتجاوز ذلك إلى العمل والتدبير. فموضوعة الخير وبالإنجليزية فإن كان الخير الذي تنشده يتعلق بالإنسان وحده وفي ذاته فذلك علم الأخلاق. وإن تعلق بأسرته ومن يعاملهم من أهله فذلك تدبير المنزل؛ وإن أمتد ليتناول تدبير أمور المملكة أو الدولة جميعاً من حيث هي مجموعة فذلك علم السياسة.
رأيت إذن أين يضع أرسطو علم الأخلاق من لوحة علومه؟ هو أول العلوم العملية التي تدبر أمر الإنسان بما هو إنسان. فإن شئت بعد هذا أن ترجع معي إلى هذا التصنيف الذي توسع به فلاسفة العرب ونقله منهم الفارابي وابن سينا وغيرهم، فلاحظ ما يأتي:
(١) لم يدخل أرسطو في هذا التصنيف علم المنطق لأنه اعتبره مدخلا ومقدمة كما قلنا. وإنما أحل محله العلم الرياضي بعد أن قدم عليه الطبيعي، وأن لم يؤلف هو في الرياضة كتباً مستقلة.
(٢) أن العلوم النظرية تتدرج حسب نزوعها إلى التجريد - فالميتافيزيقا أرقاها، ولهذا يسميها العرب العلم الأول (الطبيعيات) والأوسط (الرياضيات) والأعلى (الإلهيات).
(٣) والعلوم العلمية تتدرج من الوحدة إلى الكثرة ومن تدبير شئون القرد إلى تدبير شئون الدولة.
(٤) والعلم النظري أشرف من العملي لأنه يراد به كمال العقل الإنساني.
(٥) كما أن العلم العملي أشرف من الفني لأنه يدبر أمر الإنسان ويتعلق به بينما يعمل الفن في الأشياء والمحسوسات.