الجواب الحتمي المؤكد أننا جميعاً ذاهلون. . . وأقول جميعاً وأنا أعلم أنه ليس من المستبعد أن يكون بعض الأدباء يفكر في تأليف كتاب قيم عن الشاعر، يمس حياته من بعيد ويلخصها في ثلاثين صفحة أبرز ما فيها تواريخ وسنوات وحوادث كالتخرج والسفر إلى أوربا، وطبع الكتاب الفلاني، ومرض الفالج. . . أما سائر الكتاب فعرض شعر الشاعر أغلبه إعجاب، وهو أمر يستحقه الشاعر إلا أن المؤلم أنه لا يغني عن دراسة عميقة مفصلة لحياته العملية التي لولاها لما كتب وما تغنى.
إنني أقترح، وأود لو كان لاقتراحي صدى، أن تنشط لجنة من المتحمسين لشعر على محمود طه إلى تقصي سيرة حياته بدقة وتفصيل معتمدة في ذلك على ما يلي:
الرسائل التي كتبها الشاعر طيلة حياته.
يومياته الخاصة (إن كان قد احتفظ بسجل يوميات يمكن نشر جانب منه).
أوراقه الخاصة وقصائده التي لم تنشر.
ذكريات أهله وأصدقائه المقربين، عنه.
السجلات الحكومية الرسمية وكل ما يتعلق به فيها.
وقد يلوح أول وهلة أن هذه مهمة شاقة، إلا أننا لو راجعنا سيرة حياة أدبا أوربا لرأينا أصغر أدبائهم قد نالها، فكيف نترك نحن كبار أدبائنا ينطوون تحت غبار الزمن القاسي، ولا يتركون إلا كتبهم وحدها؟ وكيف يتيسر لنا أن نفهم آثارهم إن كنا نجهل سيرهم هذا الجهل المخجل؟
لقد آن لنا أن نؤدي ما علينا من ديون تجاه عبقريتنا المطموسة. ألا يكفي أننا تركنا (أبا القاسم الشابي) يضيع ويترك خلفه سيرة مجهولة يخجلنا أننا لا نعرف عنها إلا تاريخ بدايتها وانطفائها؟! ألم يحن لنا أن نعرف عن كل شاعر تفاصيل سيرته، والظروف التي أحاطت بكل قصيدة تركها، وعلاقاته بأسرته وأصدقائه وقرائه، والحب الذي ملك عليه أحاسيسه.
ألم يحن لنا أن نقرأ الرسائل الخاصة التي يكتبها كبار أدبائنا، كما يقرأ الأوربيون رسائل شعرائهم؟
ولم يفت الأوان بعد، حتى بالنسبة لأبي القاسم الشابي الذي مات منذ ثماني عشرة سنة بعد