غادرتها وهي للتقرير صارخة ... إلى الإله بقلب منك محزون
فلا رماك الحيا إلا بداجنة ... تهمي عليك بزقوم وغسلين
ومن قرأ البيت الأخير من القصيدة، وقوله قبل ذلك في لورد كرومر:
فسر مع اليمن مصحوباً بأدعية ... يحف ركبك تعظيم وتبجيل
لم يملك نفسه من الضحك. ولاشك في أن أحمد نسيم عبر في هذه الأبيات عن شعور كامن في نفسه وعاطفة دينية قوية أنسته ما دبجه قبل ذلك من إطراء وثناء في كرومر.
وقال حافظ إبراهيم:
وأودعت تقرير الوداع مغامزا ... رأينا جفاء الطبع فيها مجسدا
غمزت بها دين النبي، وإننا ... لنغضب إن أغضبت في القبر أحمدا
وقال من قصيدة يرثي فيها مصطفى كامل:
قم وامح ما خطت يمين كرومر ... جهلا بدين الواحد القهار
وفي عام ١٩٠٨ مات مصطفى كامل فحزنت لموته الأمة بأجمعها.
وبكى الشعراء لهذا المصاب الفادح.
وقد أخذ المصريون في هذا الطور (١٨٨٢ - ١٩١٩) يهتمون بأبناء العالم الخارجي وازداد الاتصال بين أوربا ومصر. فلما قامت الحرب بين روسيا واليابان وانتصرت اليابان في عام ١٩٠٤ ابتهج المصريون ونظم الشعراء في ذلك القصائد الطوال.
ولما انتصر الأحرار في تركيا وظفروا بالدستور اهتزت المشاعر في مصر طرباً وابتهج المصريون أجمعون، وتمنوا أن تتحقق آمالهم في الحياة النيابية كما تحققت آمال الترك. وتاقت نفوسهم إلى الظفر بالحكم الشورى الذي تمتع به الناس في تركيا. ونظمت في ذلك قصائد كثيرة رائعة تفيض بالحماس وتزحز بالعواطف الوطنية الصادقة. فقال حافظ في قصيدة:
ويا طالبي الدستور لا تسكنوا ولا ... تبيتوا على يأس، ولا تتضجروا
أعدوا له صدر المكان، فإنني ... أراه على أبوابكم يتخطر
ومنها:
لقد ظفر الأتراك عدلا بسؤلهم ... ونحن على الآثار لا شك نظفر