فهناك الإنسان الجزئي المسمى زيد أو عمرو - يليه الصفات المشتركة بن عامة الناس - أي الحد الكلي والماهية في الذهن - فمثال الإنسان الكامل أو الصورة المثالية المفارقة التي تنزع إلى محاكاتها ولا تبلغ إليها الكائناتُ الإنسانية الموجودة في عالم المثل.
(٥) وفي هذه الحالة لن يكون الخير الكلي - أي الخير في ذاته أو مثال الخير - أكثر حيراً من الجزئي - إذ الفق بين المثال الكلي والشيء الجزئي المشارك فيه هو أبدية المثال وأزليته - أي أنه لا أو له ولا آخر زمانياً - وليس من شأن التقدم في الزمان أو الخلود فيه أن يجعل للشيء زيادة في كم الصفة أو كيفها (ف٦).
(٦) وحتى لو قيل إننا لا نقصد أن يكون لكل نوع من الخيرات مثاله؛ بل إن نوعاً معيناً منها هو المثالي أو الحقيقي الذي تشارك فيه بقية مُثل الخيرات، وبمشاركة الأشياء فيه نكتسب صفة الخير، فيكون لدينا حينئذ على الأقل نوعان من الخيرات: خيرات بذاتها وأخرى بغيرها، ويتعذر علينا بالتالي أن نميز أيها الخير الحقيقي: الخير المثالي المجرد في عالم المثل أم الخير الواقعي في الأشياء والأفعال. فإذا أثبتنا الخير للمثال وحده دون الأشياء المشاركة فيه فما فائدته إذن؟ (ف١٠) وإذا أثبتناه للأشياء المتعددة لزم أن تكون مشتركة في حد واحد هو الخير. ولكنا نرى تعدد الخيرات بحيث لا يجمعها مثال واحد، فمن أين إذن اتفق لها الاسم على اختلافها؟ أيا الشبه؟ أم المصادفة؟ أم وحدة المصدر؟ أم الغاية؟ هنا يتهرب أرسطو ويقتطع الجدل دون أن يتم (ف١٣) بل يعود إلى صدد المثال الواحد المجرد للخير فيقول أنه لو صح وجوده قائماً بذاته لما أمكن إحرازه أو تعاطيه ويمتنع بذلك السعي أو البحث عنه.
وأرسطو حتى نهاية هذا الفصل يؤكد وجوب عن الخير الجزئي لا الكلي؛ النسبي الذي له علاقة بغيره لا المطلق القائم برأسه في علياء المثل؛ الخير المحسوس في الأشياء والأفعال والعلوم الواقعية لا المجرد المعقول الذي لا سبيل إلى إدراكه أو تحصيله. وهذه جملة اعتراضا على نظرية الخير الكلي كما تريد المثل الأفلاطونية أن تكون - أوردناها لك بتفصيل وتوسع - ولك أن تقبل منها ما تؤيده الحجة الناصعة والدليل القاطع - فليست كلها من الوجاهة والإنصاف بحيث تؤخذ مسلماً بها - ولكنها على أي حال جزء من النقد العام لأرسطو على نظرية المثل الأفلاطونية، وعليك أن تكمل هذا النقد في ميدان المثل