تهافت وضعة ورغبة في التكمل بما ليس فينا؛ أو على الأقل التثبت والاستيقان من وجوده فينا - وكلاهما شر أقل ما يدل عليه أن ما نريد أن ننسبه لأنفسنا - أو ينسبه لنا الناس - (وهو الفضيلة) هو أولى بالسعي والاكتساب. والفضلة ذاتها لا تصلح وحدها غرضاً للحياة وإلا كانت مملة - بل شراً أحياناً (ويتناولها أرسطو في الكتاب الثاني). أما الحياة الثالثة فحياة الفكر والتأمل (وهي موضوع الكتاب الأخير من الأخلاق الأرسطية) ويعالجها أرسطو بعد أن يكون قد فرغ من تحديد الفضائل والإرادة الخلقية - لأنها أساسها.
هذا عدا حياة الثروة، والثراء لا يمكن أن يكون غاية؛ بل هو وسيلة تقصد لغيرها لا لذاتها - كما سيتضح أن اللذة هي عمل الحواس والأعضاء؛ ولا تُراد لذاتها.
ويعود أرسطو إلى تناول الخير بمعناه العام الدقيق في الفصل الثالث، فلا يجد حرجاً في أن يتعارض مع أستاذه أفلاطون في هذا الصدد ما دام يسعى للوصول إلى الحقيقة. بل هو يأخذ على نظرية المثل الأفلاطونية هنا مآخذ كثيرة ترمي في جملتها إلى إبطال نظرية الخير الكلي أو مثال الخير الأفلاطوني يمكن تلخصيها فيما يلي:
(١) من الأمور التي تتميز فيها سلسلة من سابق ولاحق - كالأعداد - لم يستطع أصحاب المثل أنفسهم أن يقولوا يُمثل لها، لأنها تستمر إلى ما لا نهاية - وأرسطو هنا يشيد بالفيثاغوريين.
(٢) ومثل هذا يقال في ما يسميه أرسطو المقولات وهي عشرة: جوهر وتسعة أعراض؛ الجوهر سابق على الأعراض لأنه الموضوع، وهي محمولة عليه كما يقال في المنطق وما دام الجوهر سابقاً على أعراضه التسعة (الكم والكيف. والزمان والمكان، والإضافة والملك والوضع، والفعل والانفعال) فنحن بازاء خيرات كثيرة بمقدار ما يكون للجوهر الواحد من صور وأعراض، وهذه الخيرات منها ما هو سابق وما هو لاحق ولا يمكن أن يوجد بينها خير مشترك.
(٣) ولو كانت نظرية المثل الكلية صحيحة فيما يتعلق بالخير، لوجب أن يوجد علم واحد يختص بدراسة الخيرات كلها من حيث هي تتدرج تحت خير كلي، والواقع لا يؤيد ذلك، بل يقوم لكل خير جزئي علم خاص به (ف٤).
(٤) وقول أفلاطون بالمثل يجعلنا بازاء ثلاثة أشياء بدلاً ممن اثنين - كما في الإنسان،