سياسة الدولة، فإن أرسطو يريد أن ندرس هذا الخير من وجهة نظر عامة لا في أمثلة فردية ربما كانت نتائجها شاذة - والشاذ لا حكم له ولا يقاس عليه (فقرات ١٤ إلى ١٦) خصوصاً وأن الحكم على الأشياء الجزئية يتطلب معرفة خاصة بها كما أن الحكم بطريقة عامة كلية يتطلب خبرة أوسع وتجربة أشمل، ومن هنا جاءت عدم صلاحية الشباب. . . شباب السن الأحداث وشباب العقل الذين باتباعهم الهوى يعطلون ملكة العقل فتصدأ وتطيش ولا تصلح للتفكير السليم - نقول عدم صلاحيتهم لتعاطي هذا العلم والبحث فيه , فليست غاية الأخلاق مجرد العلم بالخير، بل رياضته ومزاولته عملياً وقبل كل شيء (ف ١٨ - ٢٠)
وفي الفصل الثاني يناقش أرسطو فكرة الخير من حيث ما ينظر الناس إليها. هم مجمعون على أن الخير الأسمى هو السعادة، والسعادة يريدون بها رغد العيش وحسن الفعل. ولما كان هذا التعريف عاماً وغير محدد، فإنه يتسع لكثير من التفريعات تختلف وجهات النظر وبتباعد الناس. ولما كانت الآراء هنا من الكثيرة والنسبية (الغني بالنسبة للفقير، والصحة للمريض.) بحيث لا تحصر فإن أرسطو يقتصر على ذكر أكثرها شيوعاً وأدناها إلى الصحة. وهنا يثير أرسطو مسألة المنهج الذي سيسير عليه في استقراء أنواع السعادة هذه. فيحمد لأفلاطون تفكيره في البدء من الأشياء الجزئية إلى المثل الكلية أو العكس مرجحاً هو طريقة الانتقال من الحالات الجزئية إلى قانونها العام، ومن الأشياء الشائعة الموجودة في الواقع بوضوح إلى ما عسى أن يكون لها من علة. وبمعنى آخر من المعلومات إلى العلة، والمسببات إلى السبب. وهذا هو منهج الاستقراء الذي لا نزال نأخذ به حتى اليوم بوصفه أصح منهج لدراسة الأخلاق.
وعلى أساس هذا المنهج القويم يصنف أرسطو السعادة عند الناس من حيث هي الحياة الهنيئة إلى حياة اللذة، فالمجد والشهرة، وأخيراً حياة الحكمة والتأمل: الأولى هي الحظ الدهماء والعامة و ' ن شاركهم فيها بعض ذوي السلطان المترفين الناعمين - وهي على أي أحوالها تجعل من أصحابها بهائم أولى منهم أناسي. والثانية (حياة المجد والشرف) أرفع شيئاً، ولكنها توهب ولا تؤخذ، يعني أنها ملك لواهبها لا لطالبها - إن شاء أعطى وإن شاء سلب - هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ينبغي ألا نطلبها لما يدل عليه السعي إليها من