إلى الإطار الخارجي أكثر مما تنتسب إلى الاصطلاح الفني المتعارف عليه عند أكثر النقاد، فنحن نرد كلمة (الحسية) المقترنة بكلمة (الصورة) إلى كل مشهد في الخارج يقع عليه الحس ثم تخزنه بعد ذلك النفس، أي أننا نردها إلى كل ميدان تعمل فيه المدركات الحسية سواء أكانت هذه المدركات محصورة في مجالي الطبيعة في الكون، أم مقصورة على مفاتن الجسد عند المرأة، أم منسوبة إلى العوالم المرئية التي تحيط بها وتسيطر عليها قدرة الحواس. . . وإذن فليس من الحتم أن نشير بهذه الكلمة إلى تلك الخانة المعهودة في عرف النقاد، حين يرمزون بها إلى الألوان الجسدية في فن الشعرِ غافلين عما تحمله الكلمة بين طياتها من دلالة لفظية ومعنوية!
والتزاماً لهذه الدقة في التعبير فقد نعتنا النماذج الشعرية السابقة بالصور الوصفية في إطارها النفسي، والتزاماً للدقة نفسها ننعت هذه النماذج الجديدة بالصور الوصفية في إطارها الحسي، ذلك لأن الشعر في حقيقته ما هو إلا مظهر من مظاهر الوصف. مهما تعددت فنونه واختلفت مراميه، فالشاعر حين يتحدث عن نفسه منزوياً في حدود عالمه الخاص فهو يصف لنا مجاهل الذات الداخلية فيما تشغله من مجالات نفسية، وحين يتحدث عن مشاهداته منعكسة في أصداء عالمه العام فهو يصف لنا معالم الحركة الخارجية فيما تشغله من مجالات حسية. . . هو فنان واصف هنا وفنان واصف هناك، أما الاختلاف بين الصور الوصفية فمرده إلى الاختلاف بين الأثواب التعبيرية بالنسبة إلى الخيوط الناسجة أو بالنسبة إلى الخامة الصانعة، أو مرجعه كما قلت لك إلى تلك الأطر المصبوغة بألوان النفس حيناً وبألوان الحس حيناً آخر!
بعد هذا نتحدث عن عنصرين جديدين من عناصر الأداء النفسي في الشعر، على ضوء هذه الصورة الوصفية الأولى في إطارها الحسي الأول، ونعني بها (راقصة الحانة). . . هذان العنصران هما عنصر (المراقبة الحسية) أولا يعقبه عنصر (المراقبة النفسية) ولابد من توفر هذين العنصرين على مدار التتابع الزمني عند رصد الحركة الدائرة في منطقة اللقطة البصرية، ثم على مدار التتابع الفني عند تسجيل هذه الحركة الغارقة في ضوء الومضة الشعورية: وهي لقطة نرجعها إلى البصر تصحبها ومضه نردها إلى الشعور، أشبه بلقطة (الكاميرا) المصورة حين تتهيأ لنقل مشهد كامل من مشاهد الحياة، تصحبها