خالياً من الأسانيد. فالإنسان وهو يفعل، ستوحي الحرية ويضع القيمة ويحدد المشروع من غير المشروع ويعين اللائق من غير اللائق. أو قل إن الإنسان يضع نفسه عن طريق الفعل.
ولا يأتي التنكر البادي في أعمالهم لفكرة الوجوب أو الضرورة التي تتصف بها القواعد والأحكام الأخلاقية من محاولتهم إبراز فلسفة لا تستند إلى فكرة الله (المزعوم في رأيهم) وإنما يصدرون في اتجاههم هذا عن أصل مذهبي كامل في لفظتين معروفتين عند الباحثين وهما: الوجود والماهية فالوجود بالنسبة إلى الإنسان - كما نعلم - عبارة عن سلسلة الأحداث التي تطرأ عليه وتشكل تاريخه. والماهية هي جملة الخصائص المميزة له من سواه والطبائع التي تجعله هو هو. ومن الأسس النظرية الأولى في الفلسفة الوجودية أن الوجود سابق على الماهية، بمعنى أن وجود الأشياء ووجود الإنسان ذاته يسبق ظهور الخصائص والصفات التي نستخلصها بشأن هذا الوجود، فليس هناك فكرة أزلية ترسم الأشياء بإرادتها وتمتثل الموجودات لمشيئتها، وليس هناك تقدير سابق لما يصير واقعاً، بل كل ما هنالك أن الأشياء تتمثل وأن الحقائق تقع ثم تأخذ صفات معينة وتتطبع بطباع خاصة
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإنسان. فهو يوجد أولا ثم يتحدد بعد ذاك. وعلى هذا فليس هناك طبيعة إنسانية كما يقول سارتر تبعاً لعدم وجود إله يرعى الإنسان (فالإنسان ليس شيئاً آخر - وبالتالي - غير ما يفعله) والخصائص أو الصفات التي تتحدد بها ماهية الإنسان في وجوده هي نتيجة لجملة الأفعال التي يأتيها. أو بعبارة أخرى الإنسان هو صاحب الأمر في تشكيل ماهيته الخاصة. إذن فمرجع الإنسان دائماً إلى نفسه في تطوينه وعند إيجاد ما يهمه وخلق الصفات التي تلحقه. ومن هنا بنى سارتر حكمه على الماهية الإنسانية بأنها متعلقة بحريته ومتوقفة على إرادته، وهذا صحيح بالنسبة إلى منطق التفكير الوجودي.
فالوجودية فلسفة تنبع من صميم الذات الإنسانية وتصدر عن نزعة فردية واضحة. وتؤمن بالوجودية فضلاً عن ذلك بأن التاريخ لا يحصل من جراه إرادة اجتماعية أو لأن التاريخ ينساق إلى شيء معين وإنما بسبب رغبة الأفراد في كذا وكذا. إن التاريخ حسب الفهم الوجودي ليس شيئاً موجوداً نمر به، وليس شريطاً قائماً نخطو عليه، وإنما هو شيء يوجد