أقوى وأبين من شاعرية أمية في مجمهرته: سواء في الأسلوب أو المعاني أو الأغراض أو مدى الجودة الفنية ومواهب الشعر.
٥ - ويرى الدكتور طه حسين في كتابه (الأدب الجاهلي) أنه لا يمكن أن تكون معلقة عمروا أو أكثرها جاهلية. وقد شك الرواة في بعضها ويرجح أن تكون المعلقة منتحلة، ونحن لا نذهب هذا المذهب، فالمعلقة تمثل حياة جاهلية لقبيلة تغلب وتمثل شاعراً جاهلياً وتصور حياة عمرو الفنية والاجتماعية نفسها وهي شبيهة بالآثار الباقية من شعر عمرو، وإن كان هذا لا ينفي أن تكون قد زيدت عليها بعض البيات؛ وقصيدة أمية نفسها تؤيد أن قصيدة عمرو جاهلية وأنها لم تنتحل بعد الإسلام على أيدي الرواة.
ونلاحظ على مجمهرة أمية خلوها من الصبغة الدينية التي اشتهر بها أمية، ويبدو أنه نظمها في شبابه قبل أن يقف نفسه وحياته وشعره على الجانب الديني وحده. وتقليده فيها لعمرو بن كلثوم يؤكد ذلك وأنها نظمت قبل أن تكتمل شخصية أمية الفنية. وقد يكون السبب الذي جعل أمية ينظم مجمهرته محتذيا فيها عمراً هو إعجابه بمعلقته أو روايته لشعره أو تشابه موقف الفخر الذي وقفه الشاعران، ونحن لا نستطيع أن نقول إن الرواة أدخلوا على مجمهرة أمية بعض الأبيات من معلقة عمرو لتشابه الوزن والقافية والخيال والموضوع في القصيدتين؛ ذلك لأن مجمهرة أمية ليست طويلة ولأنه إذا حذف منها الأبيات المتشابهة لا يبقى منها في مقام الفخر إلا القليل من ابياتها، ولا يعقل أن ينظم الشاعر قصيدة في الفخر معانيها فيه محدودة أو شبه محدودة.
ورواية أبي زيد للقصيدتين في كتابه دليل على إيمانه بصحة القصيدتين أولا، وبأن المعاني المتشابهة فيهما نتيجة لاتفاق الشاعرية أو للتفليد الأدبي ثانياً؛ وأبو زيد م ٢١٥هـ راوية ثقة.
٦ - وبعد فنستطيع أن نقول إن أمية قلد في مجمهرته عمرو ابن كلثوم في معلقته تقليداً فنياً واضحاً، فأخذ من المعلقة كثيراً من معاني الفخر وأساليبه، وصاغ قصيدته على موسيقى وقافية معلقة عمرو.
وهذا التقليد الفني ليس بعجيب بين الشعراء في شتى العصور وليس بغريب في الشعر الجاهلي نفسه، فأنت ترى أن الشاعر الجاهلي كثيراً ما يتفق مع شاعر قبله أو معاصر له في أسلوب أو معنى أو بيت وأنت تعرف قول امرئ القيس: