(نعم إني واثق أن هناك بعض النساء، إنني أحس ذلك بالسليقة) وعلى باب المنزل قابل فون رابك الضباط بنفسه وكان رجلا وجيهاً في الستين يرتدي ملابس مدنية، وقال وهو يصافح ضيوفه أنه يسره ويسعده أن يلقاهم وسألهم المعذرة إذ لهم يدعهم لقضاء الليل إذ حضرت أختاه وأولاهما وأخواه وبعض الجيران ولذا فليس هناك حجرة واحدة خالية، وقد لاحظ الضباط أن الرجل ليس شديد الاغتباط بوجودهم ويبدو أنه ما دعاهم إلا مراعاة لآداب اللياقة. وفي حجرة الاستقبال قابلتهم سيدة طويلة بوجه بيضاوي وحواجب كثيفة تشبه (الإمبراطورة أوجيني!) ورحبت بهم بابتسامة أنيقة. ولما دخل الضباط حجرة المائدة وجدوا مجموعة من الرجال والسيدات مختلفي الأعمار جالسين في ناحية من المائدة يتناولون الشاي. ومن خلف مقاعدهم كانت مجموعة من الرجال تحيطهم هالة من دخان السجاير ومن وراء هذه المجموعة كانت تبدو خلال الباب غرفة أخرى ناصعة الإضاءة مؤثثة بأثاث أزرق فاتح، وقال الجنرال بصوت مرتفع متكلفاً المرح (أيها السادة إنكم من الكثرة بحيث يستحيل أن أتولى تقديمكم فلتقدموا أنفسكم بطريقة عائلية). وانحنى الضباط وبعضهم يتكلف الرزانة والبعض يغتصب ابتسامته وكلهم يشعر بعدم الراحة، وجلسوا إلى المائدة. وكان أشدهم قلقاً الضابط ريابومتش وهو رجل قمحي بوجه يشبه وجه القط وشواربه مهدِّلة ويضع على عينيه نظارات، وكان لا يستطيع أن يركز اهتمامه في شيء معين. فقد كانت الوجوه والملابس وزجاجات الخمر كلها تختلط في إحساس واحد مضطرب كأنه محاضر يواجه المستمعين لأول مرة، وكان يرى الأشياء أمام عينيه لكن لا يدرك منها شيئاً (تلك حالة تعرف في الفسيولوجيا باسم العمى النفساني!). ثم عاد إلى نفسه وأخذ ينظر فيما حوله. ولما كان خجولاً ولم يعتد ارتياد المجتمعات فقد أدهشته جرأة معارفه الجدد، فون رابك وزوجه وسيدتين كبيرتين وفتاة في ثوب بنفسجي وشاب في بذلة حمراء تبين أنه ابن رابك الأكبر، هؤلاء وزعوا أنفسهم بمهارة بين المدعوين وبدءوا نقاشاً لا يستطيع الضيوف إلا أن يشتركوا فيه، بينا تراقب عيونهم الأطباق والأكواب ليروا أن الضيوف يأكلون ويشربون، وأزداد ربايوفتش تقديراً لهذه الأسرة.
وبعد تناول الشاي انتقل الضباط إلى حجرة الجلوس، ولم تخب فراسة الملازم لوبنكو فقد كان هناك الكثير من الفتيات والسيدات والشابات في الحجرة، وكان الملازم الجسور يقف