الفاصل بيت أجساد الحسان، لأنه هو وحده الذي يطلعنا على مدى التفاوت الجمالي بين جسد وجسد! هناك ثوب يوحي إليك أن صانعه غير (فنان)، لأنه لم يراع النسب الفنية بينه وبين جسم صاحبته: من ناحية الطول والقصر، ومن ناحية الضيق والسعة، ومن ناحية الكماليات التي تلتمس مظاهر الزينة وتوائم بين لون الثوب ولون البشرة. . . مثل هذا الثوب لا شك أنه يظلم الجسد الجميل لأنه يقدمه للعيون على غير حقيقته، على تلك الحقيقة الأخرى التي اقتضاها ذوق صانع غير فنان. ماذا ينقص هذا الصانع من (ملكات الفن) ليصنع (ملكات الجمال)؟ تنقصه ملكة المزاج الفني، ملكة تفصيل (الأثواب الكاشفة) عن مفاتن الأجساد!.
المزاج الفني إذن هو المسئول، بل هو واضع الحدود والفروق بين طابع كاتب وكاتب وبين طابع شاعر وشاعر. . . خذ مثلاً طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم - ككتاب في مجال القصة وحدها لا في مجال آخر - فستجد أن طه في (شجر البؤس) و (دعاء الكروان) يمثل الطابع الأدبي فهو قصاص أديب، وستجد أن العقاد في (سارة) يمثل الطابع الفكري فهو قصاص مفكر، وستجد أن توفيق يمثل الطابع الفني في عدد من قصصه فهو قصاص فنان. وخذ العقاد مرة أخرى وعزيز أباظة وعلي طه - كشعراء - فستجد أن الأول يمثل المزاج الفكري فهو شاعر مفكر، وأن الثاني يمثل المزاج الأدبي فهو شاعر أديب، وأن الثالث يمثل المزاج الفني فهو شاعر فنان. هذا التقسيم واضح كل الوضوح في الأدب المصري الحديث كما هو واضح كل الوضوح في الأدب الفرنسي الحديث، وبخاصة في فن القصة. . . أندريه جيد وفرانسوا مورياك كلاهما نموذج لهذا القصاص الأديب، وجان بول سارتر وبول كلودل كلاهما نموذج لهذا القصاص المفكر، وجان كوكتو وجان أنوي كلاهما نموذج لهذا القصاص الفنان!
ولا داعي بعد ذلك لأن نخوض في التفسير والتحليل، وفي التمثيل ولتطبيق، خشية أن نخرج عن موضوعنا الرئيسي وهو دراسة هذا الشاعر المصري ذي المزاج الفني النادر. . . حسبنا أن نقول لك إن علي طه ليس شاعراً من أولئك الذين يصوغون الحياة أفكاراً (منظومة) عارية من وشائج اللحم والدم، وليس شاعراً من أولئك الذين ينقلون الحياة نقلاً (فوتوغرافياً) خالياً من عناصر الإبداع والفن، ولكنه من أولئك الذين يتفردون بالذاتية