والأصالة عند تصوير الحياة في لحظات التوهج والتوثب والانطلاق!
إن الشعر دفقه وانتفاضة. . . دفقه يتلقاها الشعراء جميعاً، ولكن فيهم من يتلقاها بانتفاضة الذهن وحده، وفيهم من يتلقاها بانتفاضة الحس وحده وفيهم من يتلقاها بانتفاضة الذهن والحس والشعور في وقت واحد. ونفرق نحن بين هذه الألوان من الانتفاضات في محاولة فنية نهدف من ورائها إلى استشفاف (الحقيقة الشعرية) من خلال (أثوابها الكاشفة) وننتهي إلى أن حقيقة الشاعر الأولى صاحب الانتفاضة الأولى هي (وجهة نظر) فكرية، وإلى أن حقيقة الشاعر الثاني صاحب الانتفاضة الثانية هي (وجهة نظر) أدبية، وإلى أن حقيقة الشاعر الثالث صاحب الانتفاضات الثالثة هي (وجهة نظر) فنية. . . وهكذا تجد مزاج الشاعر المفكر، وزاج الشاعر الأديب، ومزاج الشاعر الفنان!
وقبل أن نستعرض فنون هذا المزاج الفني في قصيدة (الحية الخالدة)، قبل هذت أن نود أن ترجع إلى العدد (٨٠٣) من الرسالة الصادر في ٢٢ نوفمبر ١٩٤٨، حيث وردت في مقالنا (دفاع عن الأدب) هذه الفقرات: (يقول كرونشه: إن الفنان لا يمكن أن يوصم من الناحية الأخلاقية بأنه مذنب، ولا من الناحية الفلسفية بأنه مخطئ، حتى ولو كانت مادة فنه أخلاقاً هابطة، فهو - كفنان - لا يعمل ولا يفكر، ولكنه عبر. . . إن فناً يتعلق بالأخلاق أو اللذة أو المنفعة، هو أخلاق أو لذة أو منفعة ولن يكون فناً أبداً!!. . . ولئن كانت الإرادة قوام الإنسان الخير فهي ليست قوم الإنسان الفنان؛ ومتى كان افن غير ناشئ عن الإرادة فهو في حل كذلك من كل تمييز أخلاقي. إنك لا تستطيع أن تحكم بأن فرانسسكا دوانتي منافية للأخلاق، ولا أن جوردليا شكسبير أخلاقية، وما هما إلا لحنان من روحي دوانتي وشكسبير ليس لهما إلا وظيفة فنية، إلا إذا استطعت أن تحكم على المربع بأنه أخلاقي وعلى المثلث بأنه لا أخلاقي!. . . إن من تفرعات المذهب الأخلاقي قولهم إن غاية الفن أن يوجه الناس نحو الخير؛ ويبث فيهم كره الشر، ويصلح من عادتهم، ويقوم من أخلاقهم، وإن على الفنانين أن يساهموا في تربية الجماهير وتقوية الروح القومي أو الحزبي في الشعب، أو إذاعة المثل الأعلى الذي يفرض على المرء أن يحيا حياة بسيطة جاهدة وما إلى ذلك، والحق أن هذه أمور لا يستطيع الفن أن يقوم بها أكثر مما تستطيع الهندسة أن تفعل، فهل عجز الهندسة هذا يجردها من حقها في الاحترام؟ فليت شعري لم يريدون إذن أن يجردوا