للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بالحقائق النفسية) وهي معروضات وحقائق أشبه (بمحاليل) تجمعت وتفاعلت داخل تجربة كبرى في (معمل الحياة)، ثم انتهت إلى هذا المزيج الأخير الذي يقدمه لنا (معمل الفن) في هذه الأبيات:

تمثلت شتى جسوم وكم ... تجددت في صور بائدة

نعم أنت هن. . . نعم ما أرى ... أرى الكل ف امرأة واحدة

لقد فنيت فيك أرواحهن ... وها أنت أيّها الخالدة!

ومرة ثالثة يدفع بنا الشاعر إلى دورة جديدة من دورات الصعود، وهي الدورة الرئيسية التي تتوسط السلم بين درجات التمهيدية والدرجات النهائية. . . ويأتي المزاج الفني إلا أن يرج بك على عقدة (الانسياب القصصي) في فن الشعر، حين يقف بك وقفة قصيرة بين المقدمات الحسية والنتائج النفسية، بغية توكيد الصلة الرابطة بين هذه وتلك! أما عقدة الانسياب القصصي فتبدأ بهذا البيت الذي يمثل فوره الصراع:

لقد كنت وحي رخام يصاغ ... فأصبحت لحما يثير الدماء!

وتنتهي بهذا البيت الذي يصور حسرة الضياع:

فأصبحت شيئاً ككل الرجال ... وأصبحت شيئاً ككل النساء!

ويستمر هذا الانسياب فيما يلي ذلك من أبيات، حيث يتردد صداه في تلك الكلمة الموجزة التي قدم بها الشاعر للقصيدة، والتي أشار فيها إلى انهيار (روحية) الفن أمام (مادية الجسد) أو أمام هذه الحية الخالدة التي يشبهها الفنانون رغم لدغاتها القاتلة!. . . ويسلمنا الشاعر بعد هذا الانسياب القصصي إلى الخاتمة، خاتمة القصة التي تشرح لك نفسية فنان تردت مثله العليا في مهاوي النزوة العارمة، حتى إذا أفاق على وخزات الأسى العاصف بكل خلجة من خلجات الضمير، راح يطلب إلى الأفعى الخالدة أن تخلي بينه وبين الطريق؛ طريقه الجديد الذي كمنت فيه ألف أفعى من أفاعي الندم! لقد تأثم فنه حين عب من الخمر وتعذب شعوره حين اقترب من النار. . . لقد ثمل في حانة الشفاه واحترق في أتون الجسد:

أخمر ونار؟ لقد ضاق بي ... كياني وأوشك أن أختنق

أرى ما أرى؟ لهباً؟ بل أشم=رائحة الجسد المحترق!!

(يتبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>