التفاف الذراعين الأنثويتين حول الرجل في لحظة من لحظات الغريزة الإنسانية الخالدة، والتفاف الحيتين الرقطاوين حول الفريسة في لحظة من لحظات الغريزة الوحشية الفاتكة. ثم تلك المقابلة النفسية بين حركتي التقبيل في البيت الذي يليه، حين يبلغ تصوير اللظى المتوهج على أطراف الشفاه مبلغ القبس المتأجج في النار المشتهاة. ثم تلك الانطباعية التجسيدية في البيت الثالث، حين يستحيل الدعاء المتوثب بين الجوانح إلى رغبة تشم في الأنفاس، وحين ينقلب النداء المتوقدين الحنايا إلى هتاف يصرخ تحت انكسار الجفون. ثم تلك اللمعة التخيلية في البيت الرابع، حين يصبح الصدر الفاتن فراشاً مهيأ لاحتضار الأشواق، أو طريقاً ممهداً لانتحار العشاق! ترى هل هي فوره من فورات الحي؟ كلا! بل هي صرخة من صرخات الجسد. . . وإذا بنا نعود مرة أخرى إلى جو تلك الواقعية التي حدثناك عنها في أحد الفصول الماضية؛ هي هناك في (أثوابها النفسية) التي تنظمها ملكة الوعي الشعري، وهي هنا في (أثوابها الحسية) التي تصنعها ملكة المزاج الفني، ونرجو أن تلاحظ هذه التفرقة الدقيقة بين عمل الملكات الشعرية في كل مرحلة من مراحل هذه الدراسة:
هو الحب؟ لا، بل نداء الحياة ... تلبيه أجسادنا الظامئة
يخف دمي لصداه الحبيب ... وتدفعني القدرة الهازئة
وتطالعك بعد ذلك (عملية إحصاء) حسية ما تزال تعمل في حدود الدورة الأولى من دورات الصعود، على نفس السلم الجسدي الأولى الذي ترتقي درجاته ملكة المزاج الفني لتشرف في النهاية على هدفها الأصيل. . . ومن هذا الإحصاء ذلك (الجسد العاري الذي يضج به الشهوة الجائعة) ثم هاتان (الحدقتان اللتان تؤجان بالنظرة الرائعة)، ثم هاتان (الشفتان اللتان ترفان بالقبلة الخادعة). وننتهي إلى ذلك الهدف الأصيل الذي تلتمسه ملكة المزاج الفني، فإذا هو تلك النتيجة الأخيرة لعملية الإحصاء الحسية مسجلة في هذه اللمحة الجامعة:
تساقطني ثمراً! ما أرى؟ ... أرى حية الجنة الضائعة!
وينقلنا الشاعر إلى الدورة الثانية من دورات الصعود، حين يخاطب المرأة ذلك الخطاب المتغلغل في فجاج الواقع الملموس ودروب الحقيقة الخالدة. . . ولقد كنا في الدورة الأولى أمام متحف يعج (بالمعروضات الجسدية) فإذا نحن في الدورة الثانية أمام متحف آخر يموج