الفتاة إذا تفلسفت في الدار جمحت بها نزوات الطيش فأنكرت وظيفتها وجحدت مكانها فتستحيل طمأنينة الزوج إلى فزع ما ينتهي، ويحور هدوء الدار إلى ثورة ما تنقضي. إن المرأة التي تلد الفلسفة تلد الهم والأسى والضيق في نفس الرجل. . .)
وارتابت نفسي في كل حركات الزوجة، وبدا لي تاريخها القديم، يوم أن كانت فتاة في دار أبيها تنعم بالحرية التي يزينها الشيطان وتطمئن إلى النزعات التي تزوقها الحضارة، لا تخش. الرقيب ولا تخاف السيد، تنفلت من الدار وحدها لتلقى فتاها أنا لدى الأصيل أو بعد مغرب الشمس، نستمتع معاً بالخلوة ونسعد بالنزهة، أفكنت حقاً فتاها الأوحد أو كنت رفيقاً بين رفاق وصاحباً بين صحاب، تغفله فتوحي إليه بأشياء وأشياء وهو في عمى عن خداعها ومكرها؟ لعلها اليوم حنت إلى صاحب قديم!
ووسوس لي الشيطان أن أرقبها من بعد، غير أني لم أستطع فما كان لي أن أفعل وأنا موظف حكومي أبكر إلى الديوان فلا أستطيع أن أبرحه إلا أن يأذن لي الرئيس، ورئيسي رجل غليظ الكبد جافي الطبع فيه الصلف والكبر.
ومرض رئيسي - يوماً - فتغفلت رفاقي في المكتب وتسللت من الديوان. . . تسللت لأجد زوجتي في داري تجلس إلى رجل غريب على سريري في حجرة نومي. . .
وأفزعني المنظر فصرخت من أعماق قلبي (آه! إن المرأة المتعلمة كالثعلب تمكر بصاحبها حتى يقع في شباكها ثم لا تلبث أن تذيقه وبال غفلته وحمقه).
وخرجت من الدار وقد ضاقت الأرض عليّ بما رحبت وضاقت على نفسي؛ لا أجد متنفساً إلا أن أحمل همي بين جوانحي لا أتحدث به إلى أحد، ومن أمامي أولادي أخاف أن أذيقهم مرارة اليتم ولذع الضياع.
والآن - يا صاحبي - ها أنا أعيش في صراع دائم لا يهدأ ولا يستقر، أعيش بين عدوتي الخائنة، زوجتي. وبين أحبائي الأعزاء، أولادي. لا أستطيع أن أقذف بعدوتي إلى عرض الشارع فأقتل السعادة والأمان في قلوب أحبائي، ولا أستطيع أن أصبر فأراها إلى جانبي أبداً تذكرني بغباوتي وحمقي. فماذا ترى، يا صاحبي!
وسكت الرجل وإن سمات الأسى لتضطرم في أغوار قلبه فتعبث بشبابه وتغض من نضارته فماذا ترى، يا قارئي، ماذا ترى؟