الإسلامية (فبهت وتحير واستمر بموضعه حتى أتاه بولاي وفرقته التي كانت تطارد الميمنة المصرية) وبينا بولاي وقطلو شاه يتشاوران فيما يفعلان إذا بكوسات السلطان والبوقات المصرية قد زحفت وأزعجت الأرض وأرجفت القلوب بحسها فلم يثبت بولاي وترك قطلوشاه وفر في نحو عشرين ألفاً من التتار متسربلاً بظلام الليل، متلفعاً بسواده.
يا خيل الله:
وبات السلطان وعساكره على ظهور الخيل، والطبول تدق، وكذلك الكوسات، حتى آب إلى الجيش على صوت الطبول من كان منهزماً من الميمنة، وأحاط المعسكر المصري بالجبل الذي حوصر فيه التتار إحاطة السوار بالمعصم والخليفة والأمراء والسلطان والأعيان يمرون بالصفوف ويتواصون بالشهادة في سبيل الله، ويتحققون بأنفسهم من يقظة العسكر، وأبعدوا أثقالهم وأوزارهم عن ميدان المعركة. وعندما أسفر الصباح وأشرفت الأرض، انقض التتار على المسلمين يبغون لأنفسهم منفرجاً ومهرباً، ويقاتلون مستيئسين، فضيق المصريون عليهم الخناق (وصاروا تارة يرمونهم بالسهام وتارة يواجهونهم بالرماح، وتناوب الأمراء القيادة أميراً بعد أمير، وأظهروا في ذلك اليوم من الشجاعة والفروسية ما لا يوصف، حتى قتل تحت بعضهم الثلاثة الخيول، وما زالوا كذلك حتى انتصف النهار، فارتد التتار إلى الجبل بعد أن قتل وجرح منهم كثير، وهم يكادون يهلكون عطشاً)، ثم علم السلطان أن التتار قد أجمعوا أمرهم على مهاجمة المصريين في السحر، ليفتحوا لأنفسهم طريقاً إلى النهر، فأوصى بأن يفرج لهم عند النزول ثم يركب الجيش أقفيتهم ويهاجمونهم من الخلف، ونزل التتار من الجبل في عماية الصباح، فلم يتعرض لهم أحد، ولما صار النهر أمامهم والمصريون خلفهم ركبهم بلاء الله من المصريين فحصدوا رءوس التتار عن أبدانهم، وطاردوهم ولم يضعوا عنهم السيف حتى أذن العصر (حتى كلت خيول التتار وضعفت نفوسهم، وألقوا أسلحتهم، واستسلموا للقتل بغير مدافعة، حتى إن أراذل العامة والغلمان قتلوا منهم خلقاً كثيراً، وغنموا عدة غنائم، وبلغ ما قتله الواحد من المصريين العشرين من التتار فما فوقها) وارتد قطلوشاه في قليل من جنوده إلى الفرات، ثم عاد إلى بلاده في شر حال.