إذ ترجم كثير منه إلى اللغات الأجنبية الحية. ثم قال: أتفهم الآن لماذا سعى إليك المجمع سعياً رفيقاً كما يسعى إلى شيء، ذي خطر لا يسهل الوصول إليه، بدأ فقدر آثارك الأدبية وأجازها ونوه بها، ثم أستأني بك لأنه يعرف من تواضعك وهدوئك وإيثارك لما ورثت عن أسرتك من حب العزلة والانزواء، استأني حتى تسيغ هذا التقدير وتطمئن إليه، استأني بك سنة أو سنتين، فلما عرف أنك تلقيت هذه الصدمة وصبرت لها واحتملتها ثم تعزيت عن تقديره إياك فسافرت وكتبت وأنتجت، هجم هجمة وأخذك على غرة، وأشهد ما عرفت ولا حسبت قط بأن المجمع يريد ضمك إليه، وإنما أخذك فجاءة في يوم ائتمر بك صديقان هما احمد أمين بك وطه حسين فرشحاك، ولم يكادا يعرضان الأمر على المجمع حتى أجمع على اختيارك، وإذا أنت قد التهمك المجمع بعد أن التهمتك العربية التهاماً من قبل.
وبعد ذلك وقف الأستاذ محمود تيمور بك فألقى كلمته. وقد بدأها بالتعبير عن تهيبه عضوية المجمع أو في الحقيقة عن تواضعه ثم تحدث عن الدكتور فيشر، جرياً على السنة المتبعة في أن يتحدث الخالف عن السالف، فقال أنه كان أحد أولئك الأفذاذ الذين تتراءى لهم في مؤتنف حياتهم أحلام عزيزة وكان الحلم الذي صبغ حياة الدكتور فيشر بصبغته أنه أراد أن يكون للغة العربية معجم يؤرخ ألفاظها ويتناول ما تعاقب على هذه الألفاظ من أطوار، راجعاً بكل لفظ إلى منزعه أو إلى ما يقابله في شقائق العربية من اللغات السامية، وهو مشروع جديد ليس له سوالف تيسر عليه مهمته وكأنما الأقدار قد هيأته لذلك العمل الضخم وأعانته بأدواته، فهو المتفقة في شتى اللغات السامية، وهو العليم بموازين الدراسات في اللغات على اختلافها، وهو البصير بقواعد البحث العلمي على أدق مناهجه، وهو الصابر المثابر، وهو صاحب الهوى العذري للغة العربية على وجه خاص. صرف نفسه إلى منابع اللغة نفسها من منظوم ومنثور في العصر الجاهلي وصدر الإسلام وأكب عليها يستقري ألفاظها ويتبين معانيها في سياق الكلام ويستجلي تطور هذه المعاني وتنقلها بين الحقائق والمجازاة، لبث الدكتور فيشر أطيب عمره في هذا العمل، ثم دعي إلى المجمع عضواً عاملاً فيه، ثم طلب إليه أن ينجزه معجمه في دار المجمع على أن تهيأ له وسائل الإقامة والعمل، فخف له واستمر فيه حتى كانت الحرب الشؤمي فحالت بينه وبين العودة السنوية لاستئناف عمله في وطن حلمه العزيز، وبينما كانت العقبات تذلل في سبيل أن يعود عجلت