وكان اسم (العريان) موضع الدعابة اللفظية والتفنن في المعاني للخطباء والشعراء، ومن ذلك قول حمام.
متواضعاً ثوب الفضيلة فوقه ... كاس ويزعم نفسه عريانا
بل جر هذا الاسم إلى القافية في قصيدتي غنيم وحمام.
والملاحظة - على وجه العموم - أن الكلمات التي ألقيت - عدا كلمة الأستاذ عبد الله حبيب - كانت عائمة، فلم يركز أحد منهم اهتمامه بناحية من النواحي الأدبية للمحتفل بتكريمه تركيزاً يكشف عنها ويبرزها، فمثلاً لم اسمع من أحد منهم صدى واضحاً لقراءته كتاباً من كتب العريان. ولم يحددوا بالضبط مكانة أديبنا من أدباء العصر وخصائص أدبه الأصلية.
ومما أستطيع أن أجمله في هذه المناسبة، أن الأستاذ العريان يجمع في أسلوبه بين البيان العربي الحر والرشاقة العصرية كما يجمع في موضوعه بين الإمتاع النفي والبحث الدقيق والمنطق السليم، وأتى لأراه يزحف إلى الصف الأول على رأس نفر قليل من أدباء الصف الثاني. ولا أخشى عليه من وزارة المعارف كما خشي الأستاذ عبد الله حبيب، فان طبعه المكافح وروحه القلق لن يهدأ ولن يستطيع شيء أن يظفر به دون الأدب.
ويجرني ذلك إلى التصريح برأيي في شخصية الأستاذ سعيد، وهو يخالف رأي أكثر الناس فيه، إذ يقولون: إنه رجل طيب، مخدوعين بما يبدو عليه في الظاهر من الهدوء والوداعة، ومأخوذين بما يأتيه فعلاً من العمل الصالح. والحقيقة التي أراها أنه ليس رجلاً طيباً كما يفهم الناس من هذا الوصف بصرف النظر عن معنى الكلمة، إنه هادئ الصفحة ولكن صخاب فيما دونها. . إنه داهية خطير. . هو في ملابساته العلمية كما تراه في أدبه يتعمق الأشياء وينفذ إلى الدخائل ويستكشف الدقائق. إنه يكافح في حرب صامتة وقد شوهد أخيراً يجول ويصرع. وقد كان وجوده في منصبه بالوزارة أخيراً بمثابة (إرهاص) لإقبال الدكتور طه حسين بك. وكم تحتاج أمور الثقافة والتعليم في وزارة المعارف إلى هذه العزائم الصادقة والهمم التي تمضي إلى ما تريد وهي لا تريد إلا الصالح العام.
لقد أثبت عميدنا الكبير، كما أثبت أديبنا العريان، أن الأديب - على خلاف ما يقول بعض الناس من أنه إنسان خيالي غير عملي - أهل لادارة الأمور على خير ما يكون وما ينفع