معقولاً لهذا العمل أو إذا دفعك الفضول لأن تقف علىالسر في عدم الإقبال عليه لأخبروك بأنه لا يكتب في موضوعات مستحبة ولا يعالج المسائل الشيقة ولا يتناول بقلمه تلك المشاكل القريبة إليهم الأثيرة عندهم.
أفليس هذا بالشيء الغريب حقاً؟ يطالبون الأديب بان يكون داعية للخير وبوقاً من أبواق السلام وواعظاً أو ناصحاً بين الشباب. . . فإن تمشى مع رغائبهم وجارى ميولهم ملوه وسئموا منه، واحتجوا في النهاية بأنه لا يحاول الكتابة السهلة اليسيرة في الموضوعات التي تلائم نفوسهم وتتعلق بالظروف التي تحيط بهم، فيضطر تحت تأثير الحاجة والعوز إلى أن يلفت أنظار القراء وأن يغريهم بالحكايات المبتذلة والروايات الرخيصة، أو أن يكون دعامة لحزب من الأحزاب ومنادياً لمذهب من المذاهب، أو أن يكون بهلواناً يعرض صنوفاً من فقراته، ويسوق إليهم السخيف من شطحاته. وعندئذ تراهم يتهامسون: لقد زل فلان وانحدر من مكانته الرفيعة وهبط من قمة التفكير والتأمل إلى كلام الأزقة وروايات الماجنين. ويطالبونه في الحال بأن يعود من حيث أتى، وأن يدبر من حيث أقبل، مهما كانت البطن فارغة والحال رقيقة.
كيف يكون هذا بالله؟ أهذا منطق يقبله الدماغ ويرضى عنه الحس والشعور ويؤيده شيء من واقع أو شيء من خيال؟ ليت القراء يعرفون أن الأديب إنسان من دم ولحم، وأنه يريد أن يقتات، وأنه من الضروري بالنسبة إليه أن يأوي إلى بيت وأن يتستر باللباس. وليتهم في الوقت نفسه ينزعون من رءوسهم هذه الفكرة الخاطئة التي تمسكوا بها عن الأديب ومهمته، أو على الأقل يدعونه كغيره من خلق الله حتى يحصل على ما يحقق له حياة فيها بعض الهدوء والاطمئنان. هذه مع العلم بأن الأديب هو أعجز الناس وأقلهم حولاً وأضعفهم سلاحاً، وأنه مهدد كما لا يمكن أن تهدد الحياة إنساناً سواء وإذا هبطت به إلى المعيشة الاجتماعية فستلمس هذا كله بوضوح عندما تصطدم أحلامه بمطامع الناس وأمانيهم العملية. فمن الغبن للأديب أن نطلبه بنوع معين من الكتابة وأن نحظر عليه الكلام في غير ما يريده له الناس. دعوه يقول فيما يشاء وكما يشاء، حتى إذا جاء وقت الحساب، ذروا شره وتركوا آثامه وتعلقوا بالجانب الممتاز الذي ينتجه في ظلال العيش الكريم لماذا يتاح للموظف مثلاً أن يستغل نهاره في العمل التافه العقيم من أجل أن يعيش كريماً معززاً في