نصف نهاره الثاني؟ ألا يرى الإنسان العادي فيم يمضي وقته وكيف يستغل عقله استغلالاً رخيصاً حتى يستبقى لنفسه بعض الساعات التي يحقق فيها كل ما يرجوه من عزة وإباء وعيش كريم؟ وكذلك أدب الأديب. . . فليس كله متساوياً من ناحية القيمة والدرجة وإنما بعضه عماد للبعض الآخر، ونصفه الثاني عالة على نصفه الأول. إذا قام الأديب بالدعاية في صف الأحزاب السياسية فلكي يضمن لنفسه بعض الساعات التي يخرج فيها القصيدة التي تشجيك والفن الذي يرضيك والعمل الأدبي الذي يطربك. وإذا استحل لنفسه أن يكون رخيصاً عند الوصف ومتبذلاً في الكشف وفاجراً من ناحية انتقائه للموضوعات فذلك كله على أساس أن يتحصل على الدريهمات التي تضمن له بعض الوقت والتي تمكنه من التفرغ للعمل القيم والمؤلف الثمين.
ثم لاحظ شيئاً آخر، وهو أن ما اصطلح الأدباء الأوربيون في العصر الحاضر على تسميته بالأدب الأسود، ويعنون به ذلك الأدب الصريح في مسائل الجنس، أو ذلك الأدب إلي يهتم بنواحي الضعف في الإنسان ويبرز جوانب الحياة المظلمة، إنما هو نتيجة طبيعية لعدم الرغبة في القراءة لدى الناس. فقد أصبحت القراءة ثقيلة على نفس الإنسان المتمدن وصار يقتصر في استقاء معلوماته على ما تتحفه به الصحف اليومية. وأصبح الأديب المتخصص في خطر المشغوليات الحيوية والدواعي المادية التي تكاثرت حول الإنسان وجعلت تتخاطفه تخاطف التجار على الزبون الحائر. فهم غير مستعدينلأنيبقوا على بعض ساعات من يومهم للقراءة الخالصة الرفيعة والاطلاع على مسائل الفكر والروح. ومن هنا ترى الأديب قد اضطر اضطراراً إلى أن يتناول بقلمه بعض النواحي التي تجذب القراءة، وأن يقص بطريقة شيقة بعض الحوادث الخاصة التي يبدعها خياله عن طبيعة الصلة فيما بين الرجل والمرأة. لقد فطن الأديب إلى مدى التأثير الذي تحدثه هذه المسائل في نفس القارئ فشاء أن يلفت نظره بواسطتها حتى يستولي على دراهمه أولا، ثم من أجل أن يحبب إليه الفكرة التي تستعصي على فهمه، والتي ما كان ليقبل عليه ويتدبرها ثانيا.
فالأدب الأسود أو الأدب الذي يخاطب الغرائز الإنسانية طبيعي جداً في هذه الآونة بالذات بعد أن استحال على الأديب أن يجد رزقه بين مخالب الآدميين من حوله، وبعد أن أصبح من العسير أن يقبل القارئ من تلقاء نفسه على الأدب الخالص والفكر البحت فلا يلومن