للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحد أديباً لأنه استثار غرائز القراء، أو لأنه خاض في تلك الروابط الخفية المستترة فيما بين الرجل والمرأة؛ فشأنه بالضبط في هذا العمل شأن التاجر الذي يعلن عن نوع بضاعته فوق لوحة قد رسم عليها امرأة عارية. أو شأنه شأن الأنثى التي تتبرج قليلاً من أجل تصيد الزوج في الحلال.

فمن ناحية المبدأ نحن نريد أن نزيل من رءوس الناس هذه الفكرة التي شاعت بينهم عن مهمة الأديب؛ إذ نحن نؤمن بحق الأديب في أن يتكلم كما يشاء، وفي أن يختار وسائله كما يحلو له، وفي أن يستعين بكل ما من شأنه أن يجذب القارئ وأن يدفعه دفعاً إلى الإقبال على الكتب والنظر في الصحف. فهذا كله يؤدي إلى عناية الإنسان المتمدن بالقراءة وإلى أن يظل مستوى التعليم محتفظاً بدرجاته ومقوماته عقب خروج الشبان من معاهد التعليم. ومن نتيجة ذلك أيضاً أن الأديب يستطيع أن يوصل أفكاره إلى أدمغة الناس وأن يشترك مع الصحافة اليومية والمحاضرات العامة ووسائل الثقافة الاجتماعية في ترقية المستوى والاحتفاظ بالمنسوب الحضاري. ثم يلاحظ من ذلك أن الأديب لابد له أن يعيش في المجتمع الحديث مثلما تضطره الحياة إلى أن يكون. أعني أن الأديب في العصر الحاضر ملزم بأداء بعض المهمات التي لم يكن الأديب في العصور السالفة مسئولا عنها ولا مطالباً بها. أديب العصر الحاضر هو الإنسان المتخصص في الفن الذي لا يؤدي إلى فائدة مادية فعالة؛ ولا يعطي مكسباً ظاهراً ولا يجني محبذوه ومشجعوه غير أوجاع القلب وهواجس النفس. هذا بينما تلح الحياة من حوله - بكل مظاهرها العملية وبكل مقوماتها المادية - على نبذ الأشياء المثالية وإهمال الكماليات، فالعلم والميكانيكا والطب والهندسة وغيرها من المواد التي يتثقف بها الناس والتي يقبل عليها غالبية الشبان، تعود عليهم في أوقات وجيزة بالخيرات المضمونة وتجعل مستقبلهم حافلا بالأعمال والوظائف الهامة، أما الأدب فتستطيع أن تصف أهله بأنهم طائفة من الفارغين البطالين، وهذا صحيح في الوقت الذي لا تضمن من صناعة الأدب غير التفرغ لأعباء ثقيلة تشغل منك الساعات الطوال وتتطلب منك الجهد الكثير ولا تجازيك بعد ذلك إلا أيسر الجزاء.

ففي هذا الخضم الهائل من الشهوات المتضاربة نريد أن نوقف الأديب مكتوف الأيدي وأن نحرم عليه نفس الوسائل التي يتاجر بها سواه من الناس والتي يحصلون بها على الأموال

<<  <  ج:
ص:  >  >>