المكدسة والثروات الطائلة! وباسم الإنسانية والمروءة وأخلاق الفضل والكرامة نتقدم إليه حاملين أكاليل الورد وأكفان الموت كيماً نحمله آسفين إلى بطن الثرى، مترحمين على شبابه النضر.
فالأدب الأسود إذن هو صرخة طبيعية من جانب الشاعر الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الهلاك المحتوم، وانقلاب ضروري على مظاهر الحياة التي تلزمه وحده من بين الآدميين جميعاً ودون أصحاب الحرف قاطبة بأن يكون عفيفاً شريفاً مكرماً! ليس هذا فحسب، وإنما يشعر الأديب في قرارة نفسه بأن أعماله توجب عليه شيئاً من النزول أو الارتفاع كما نستطيع أن نقول إلى الجموع كيما يخلق من بينها طائفة من القراء إن الأديب لم يعد قادراً على الاكتفاء بالطبقة الوسطى حيث يظهر عادة هواة الفن وطلاب اللذة الروحية في الكتب والآثار، ولا بد له غذ شاء أن يكون من بين قرائه عمال وتجار، وأن يستطعم كتاباته المتخصصون وغير المتخصصون، وأن يتحبب لدى الطبقة الكادحة من أبناء الشعب ليصيروا من بين قرائه أقول إذ شاء الأديب أن يكون على هذا النحو فلا بد له من أن يخاطب الغرائز أحياناً، وأن يؤثر على أصحابها ذلك التأثير الذي يخدرهم ساعة دفع الثمن إلى الكتب، وإلا فسيظل محكوماً عليه إلى الأبد بأن يخاطب طائفة معينة وأن يقتصر تأثيره على وسط بالذات وألا يتعدى هذه الحدود المصطنعة التي أوجدها هو بيديه عند ترفعه وادعائه للتسامي. . .
لقد آن للأديب أن يخاطب أبناء عصره مباشرة وأن يحصل على المجد - إن صح أن هناك مجداً - وهو حي يرزق. أما أن يسلم كلامه للمؤرخين كيما يحكموا له أو عليه وأن يحتفظ بكتبه وآثاره لتكون مصدر لذة وسبباً في متعة الأجيال التالية فهذا ما لا يقبله عقل ولا يسلم به منطق. إذا كنت كاتباً فأنا كاتب بالنسبة إلى هؤلاء الناس والأفراد الذين يعيشون من حولي، وقرائي هم من الطائفة التي تعاصرني في الزمن ويستحيل أن اقتصر من وراء كدحي على إفادة قوم ليسوا مني في شيء. . . إنني وليد هذا العصر بظروفه وأوضاعه، ومصدر الوحي عندي هم هؤلاء الذين يعيشون في هذه الفترة، والتجاوب فيما بيني وبينهم هو كل مالي من عمل ورجاء فوق الأرض، فإذا تنازلت عن هذا الحق - أو عن هذه الضرورة، كما ينبغي لها أن تكون - فأنا أفقد عنصراً أساسياً في عملي الفني،