للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقبل على دور اللهو الأخرى التي تخاطب حسه وغريزته، وانصرف عن المسرح الجدي الذي يخاطب فيه العقل والذوق، فكاد نجم ذلك المسرح أن يأغل مع كل ما تقدمه الدولة من أموال لإعانة الفرقة المصرية.

وليس أمر المسرح المصري بدعا في ذلك، فالمسرح الروماني القديم نال نفس المصير، فقد نشأ نفس النشأة المفتعلة بترجمة المسرحيات اليونانية أو اقتباسها أو تقليدها، فلم يجد الإقبال الكافي، حتى أن مسرحيات سنيسكا الفليسوف لم تمثل، وإنما كانت تقرأ على الناس في قاعة للمحاضرات تسمى الأوديون، وهذه القاعة ابتدعها الرومان ليستمع الناس فيها إلى المحاضرات أو ما يقرأ عليهم من التمثيليات. وهكذا تحول المسرح الروماني على مر الزمن إلى مسرح استعراضي يعتمد على الرقص والغناء واستثارة الغرائز الدنيا للمشاهدين.

لهذا السبب - وهو النشأة المفتعلة للمسرح المصري - امتلأت المسارح الاستعراضية والفكاهية؛ وخوى مسرح الفرقة المصرية، ولهذا السبب أيضاً امتلأت الروايات السينمائية المصرية بمشاهد الرقص والغناء بمناسبة وبغير مناسبة.

فالواجب على القائمين على أمر المسرح أن يستميلوا الجمهور إلى فهم، ولا أقصد بذلك أن يتبدلوا فيما يعرضون، كما تحاول الفرقة المصرية اليوم، وإنما أقصد إلى أن يبثوا حب المسرح في النفوس، وأن يرتفعوا بهم رويداً رويداً حتى يحلقوا في أبعد الآفاق وأرفعها.

ودليلنا على أن أفراد الجمهور المصري لا ينقصهم الإحساس الفني، أنهم يقبلون على مشاهدة الروائع السينمائية الأجنبية، وفيها القصص الدسمة والموضوعات العميقة، وهم راضون عما يرون، بل إنهم أصبح الآن ينصرفون عن كل رواية ضعيفة ولو اختفى ضعفها وراء الإخراج الرائع والتمثيل المتقن.

فيجب، والحالة هذه، أن نبث حب المسرح في النفوس، وذلك باستلهام التاريخ الإسلامي في وضع المسرحيات، ويجعل مادة التمثيل مادة أساسية في المدارس كما هي حال القصص الآن، بالإكثار من وحدات المسرح الشعبي التي تجوب الأحياء والبلاد ولا لتعرض هذه التفاهات التي تقدمها، وإنما لتعرض قطعاً غنية جمعت بين المتعة والفن. ولا بأس من أن تعرض في كل مرة مسرحية فكاهية لاجتذاب الجمهور، ثم تتلوها مسرحية جيدة تخاطب

<<  <  ج:
ص:  >  >>