كما كانت شيئاً محتكراً للخاصة؛ وتذكر العصر الحديث هذه البدعة فأخذ بها بعد أن وسعها ومرنها، فإذا السياسة تصبح أمراً شائعاً.
وكذلك العلم، كان شيئاً أرستقراطياً لا يطمع فيه أحد من غير الطبقية التي كانت تحتكر السياسة والعلم، وفي بيئاتنا العربية القديمة نفسها كبغداد والكوفة والقاهرة، لم يكن يباح العلم بغير حساب، كان الأستاذة يتقاضون أجراً على التعليم، فإذا حدث أن تطوع أحدهم فهو أمر نادر. كانت الإنسانية تعتقد أن العلم شيء نفيس يطلب بالجهد والمال، وكان الحكام يحببون الناس فيهم بإنشاء المدارس لا على أن التعليم حق من الحقوق التي يجب أن تؤدى وإنما هو فضل من السادة، يقصد به بعضهم وجه الله، ويقصد البعض الآخر وجه المصلحة أو وجه السياسة.
أما في العصر الحديث فلم تكد حقوق الشعب في المشاركة السياسية تشيع حتى شاعت معها حقوق الشعب في العلم أيضاً، فالعلم حق كالسياسة وهو مرفق كسائر المرافق التي تتولاها الدولة وتيسر الانتفاع بها للشعب، وهو حق للإنسان بحكم أنه إنسان كائن حي مفكر يجب أن تتاح له الفرص التي تمكنه من التفكير، كما يتاح له أن يحصل على نصيبه من الطعام والماء والهواء، وهو حق من أخطر الحقوق لأنه يقتضي تغيراً خطيراً أساسياً في الحياة الاجتماعية، إذ يشعر المتعلم بشخصيته وبحاجاته الإنسانية فيطلب حقه ويلح فيه، والإنسان يشعر بالحق أكثر مما يشعر بالواجب لأنه ميال بطبيعته إلى أن يأخذ أكثر مما يعطي؛ ومن هنا يعتبر التعليم سلاحاً خطيراً ذا حدين. يشعر الناس بالحق ويشعرهم بالواجب، فإذا لم يحسن استعماله وتغلب أحد الحدين على الآخر، صار الناس كلهم مطالبين بالحقوق، أو ضعفت شخصياتهم واستكانوا إذا أسرفوا في الشعور بالواجب.
فإذا انتشر العلم، وساد الشعور بالشخصية والمطالبة بالحقوق، تعرض النظام الاجتماعي للخطر، وهذا هو الذي يخيف بعض الناس من انتشار التعليم، ومن هنا وجب أن يكون أمر التعليم إلى الحكومات وأن تسهر الدولة على التعليم، فإذا تولاه غيرها من الهيئات والأفراد أشرفت عليها وراقبتها، متوخية في ذلك كله التوازن بين الشعور بالحق والشعور بالواجب.
ثم قال معاليه. لعلكم تلاحظون أني إلى الآن لم أتحدث في موضوع المحاضرة، وهو الثقافة، ولاشك أن الثقافة غير التعليم، ولكنه وسيلة من وسائلها، وما أكثر المتعلمين الذين