يتعلمون كثيرا ويعلمون كثيراً ويعلمون كثيراً أيضاً ولكنهم ليسوا من الثقافة في شيء. الثقافة مزاج يدبر أمر العقل والقلب، مزاج يعتدل من الشعور الراقي والعقل الذكي والحس الدقيق، وهي ليست مقصورة على الكتب والعلوم وتحصيل ما فيها، وما أكثر الذين نلقاهم فينشدوننا الأشعار أو يحدثوننا بما حصلوا من العلوم، ولكنكم إذا وضعتم أحدهم أمام قطعة من الموسيقى الرائعة ضاق بها أو أخذه النوم، ومنهم من يتبحر في ناحية من العلم ولكنه يجهل سائر أنواع المعرفة والآداب فالمثقف هو الذي تكون البيئة عقله وذوقه وترهف قلبه وحسه، فيتسع أفقه وتسمو مشاعره ويحس بالجمال في مختلف مواطنه.
إذا ابتهجتم بمجانية التعليم فابتهجوا بمقدار، وطالبوا بالثقافة ويوم ترون الحكومة تهتم بالتعليم على أنه سبيل إلى الثقافة، ابتهجوا كل الابتهاج.
الهلالية والأدب الشعبي:
شهد المدرج الكبير بكلية الآداب مساء الأحد من الأسبوع الماضي، جمعاً كبيراً حضر مناقشة الرسالة الجامعية التي تقدم بها الدكتور عبد الحميد يونس لنيل إجازة الدكتوراه في الآداب من جامعة فؤاد الأول، وقد نالها بدرجة جيد جداً ولعل هذا الحشد الكبير الذي لم نر له مثيلاً في مشاهدة المناقشات الجامعية، يرجع إلى طرافة موضوع الرسالة، وهو (الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي) ومن طرافة هذا الموضوع أن الباحث اعتمد - إلى مراجعه من المؤلفات - على المنشد المحترف الذي يسميه العامة (الشاعر) وأخذ عنه واستمع إليه، وأورد صورة له كما أتى بصور الآلات الموسيقية التي يستعملها وفي مقدمتها (الربابة) مفصلا أجزاءها كما ثقفها من منشده، وأورد كذلك النوتات الموسيقية لبعض الأنغام التي عرفت بها أشعار السيرة الهلالية. وقد حضر مندوبو بعض المجلات المصورة لأخذ صورة (أبو زيد) باعتباره موضوعاً لرسالة جامعية.
بدأت جلسة المناقشة بتخليص صاحب الرسالة موضوعه، وقد أثبت أنه حقاً تلميذ (الشاعر) إذ ملك أسماع الحاضرين وجعلهم يندمجون معه في الموضوع بحسن عرضه وبراعة إلقائه وسلامة منطقه. قال إن الموضوع قد انقسم بين يديه إلى تمهيد وكتابين تناول في التمهيد الأصول التي اتبعها في بحثه وخالف بها بعض المدارس الأدبية في مصر والشرق العربي، ووصل فيها الأدب بالبيئة وعلم النفس، وتحدث عن الأدب الشعبي بنوع خاص